شعار قسم مدونات

المدارس الخاصة في الأردن.. لقد بلغت "المهزلة" مداها

مدونات - سيول الأردن 2

في الخميس- الأسود 25-10-2018 قُدِّر للشّعب الأردني أن يشهد فاجعة غير مسبوقة يرى فيها أبناءه يتساقطون واحداً تلو الآخر، تجرفهم مياه البحر الميت فيتلقفهم جزءاً من اسمه "الموت" الذي كان مصير تلاميذ إحدى المدارس الخاصة وبعض أساتذتهم والمشرفين على رحلتهم الأخيرة. في الثواني الأولى للخبر استنفرت كافة أجهزة الدولة كما استنفر المواطنون، وتَسّمر الجميع أمام شاشات التلفزة بلا حِراك؛ عيون جاحظة وآذان مصغية منتظرة سماع خبر نجاة شخص جديد من الكارثة، وبعد دقائق من المصيبة التي ألّمت بنا بدأ الكثيرين بتراشق الاتهامات والسؤال بقي واحد، من المسؤول؟!

الدموع تغرق عيون كل أم أردنية وتتخيل لو أن أبناءها كانوا من بينهم فتسارع بالنظر لولدها وتخبره: "من اليوم إياك أن تخاطبني بشأن أية رحلة!" ثم تتساءل ما الذي دفع مدرسة لترتيب رحلة في توقيت كهذا؟! أليست الرحالات المعتادة في الصيف أم أن المدرسة اعتمدت سياسة "رحلة الشتاء والصيف". والجواب المنطقي الوحيد هو أن غالبية المدارس الخاصة اعتمدت سياسة المردود المادي لا غير ومن بعده الطوفان، واستهترت بأرواح طلبتها دون أي تردد، طالما سيعود ذلك عليها بالفائدة المادية المرجوة. والناظر لقسط الرحلة الخيالي لمنطقة مجانية كهذه سرعان ما يصل لهذا الاستنتاج البسيط.

اللوم كله يقع على عاتق إدارة متجردة من الإنسانية، تعد المدرسة كأي مشروع تجاري هدفه الأول هو الربح بل وهو الهدف الأخير أيضاً، ولا ينتابها يوماً الشعور أنها تدير نواة مجتمع بأكمله.

هذا ينقلنا للكارثة الأكبر التي تكاد تُغرق جميع أبنائنا ممن يرتادون المدارس الخاصة التجارية في الدرجة الأولى، والتي تفرض رسومها غير المعقولة على الأهالي بحجة أنها تقدم المستوى التعليمي الأفضل من بين مثيلاتها. بل وتُحمّل الأهل أعباء مادية غير منتهية طوال العام من رحلات وفعاليات لا تشملها الرسوم الأساسية، "فلدينا كوادر ممتازة تأخذ مقابل جهدها التعليمي الذي تقدمه لأبنائكم"! هذا هو الكلاشية الذي تدرب على قوله جميع المديرين.والذي عندما يسمعه أحد المدرسين يبتسم بحسرة واشمئزاز، عن أي مقابل تتحدثون فأنا لا يصلني سوى الحد الأدنى للراتب أو يزيد بضعة قروش؟!

وبالمناسبة أنتم لم تخبرونني يوماً بأنني متميز بل لا تكفون عن تقريعي ولومي طوال العام! الشعب الأردني يعلم علم اليقين بالمخالفات التي تجري في مدارسه الخاصة من اختلال في مصداقية النتائج الدراسية إلى توظيف أشخاص غير مؤهلين علمياً كأن يُدرس خريج الشريعة مادة العلوم أو أن يبحث دارس التاريخ في معاجم اللغة العربية حتى يتمكن من شرح قاعدة للطلبة. أو أن يطلب مدرس الرياضيات للمرحلة الثانوية (التوجيهي) من الطلبة أن يأخذوا دروساً خصوصية عند مراكز أخرى لأنه وبكل بساطة متأكد أنه غير كفؤ للمهمة ويخاف من تَحَمّل مسؤولية رسوب الطلبة عند الاختبار الوزاري وبالتالي إقصاءه ونفيه من هذا الصرح الميمون. المعلم هنا ليس الملام الأول هو في النهاية إنسان يبحث عن مصدر رزق في زمن الحاجة وانعدام المصداقية الذي أصبح ديدن الجميع.

وأما بما يخص المرافق المدرسية من مكتبات ومختبرات حاسوبية وعلمية فالكثير من هذه المدارس لا يحوي أكثر مما تحويه أي مدرسة حكومية وقد يكون أقل، ومن الملفت جداّ سهولة الاستغناء عن المكتبة المدرسية وتحويلها لقاعة أنشطة أو حتى جعلها فصل جديد يحوي طلبه هم لصاحب المدرسة مجرد أرقام إضافية في أرصدته البنكية. فالقراءة مضيعة للوقت وشيء مشين قد يرفع الطالب إلى مصاف أعلى من التي ينتمي إليها المدير فتمكنه من المحاججة والمقارعة وتعلمه ما له وما عليه وبذلك المكتبة مجرد شكليات فارغة لا داعي لها حفاظاً على نظام المؤسسة.

إذا فاللوم كله يقع على عاتق إدارة متجردة من الإنسانية، تعد المدرسة كأي مشروع تجاري هدفه الأول هو الربح بل وهو الهدف الأخير أيضاً، ولا ينتابها يوماً الشعور أنها تدير نواة مجتمع بأكمله وأن بيدها إفساد جيل أو إصلاحه، ولا تعنيها قُدسية المِهنة التي امتهنها الأنبياء ومن بعدهم هم. يدّعون المثالية العليا وأن هدفهم الأول هو الطالب ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم. فالطالب المدلل مهملًا في الوقت ذاته. لا يُتابع أكاديمياً ولا أخلاقياً بالمستوى المطلوب بل يقضي في الأنشطة الغير منهجية والتي لا تحمل أي هدف أكثر من نصف وقته ويصرف عليها نصف ما لدى ذويه.

في كل يوم وساعة ودقيقة تغرق مدارس من هذا النوع آلاف الطلاب دون أن يتحرك ساكن ودون أي حسيب أو رقيب، وسنة تلي الأخرى نغرق في أخطاء تطوى دون تصحيح حتى بلغ السيل الزبى. والسؤال هنا: إلى متى سننظر إلى هذا السيل يأخذ أبناءنا أمام أنظارنا دون أن نضع حدًا لتلك لمهزلة؟ إلى متى تغفل الجهات الرقابية عن متابعة تطبيق القوانين وإيقاع أشد أنواع العقوبات على المخالفين؟ إلى متى ستستمر هذه المدارس في استنزاف دماء الأهالي الخائفين على مستقبل أبنائهم؟ إلى متى يستمر الإهمال والتغاضي عن الأخطاء؟ وإلى متى سنبقى نغوص أكثر في الوحل؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.