شعار قسم مدونات

الأمازيغ.. ظهير الإسلام المتين في شمال إفريقيا

blogs الأمازيغ

في عامهم الـ 2968، حيث يحتفي الأمازيغ برأس السنة الأمازيغية في 12 كانون الثاني من كل عام، وهو اليوم الذي انتصر فيه الملك الأمازيغي شيشنيق على ملك الفراعنة رمسيس الثالث. وهذا دليل على امتلاك الأمازيغ تاريخا مشرقا في كافة فصوله، فهم أمة ونعم الأمة، حيث يعتبرون طاقة جبارة وشعبا صارما، ساهموا في إثراء كل أمة وديانة وحركة انتموا إليها.

والأمازيغ أو الرجال الأحرار كما تعنيه الكلمة، كانوا يعرفون بالقوة والبأس، ولأنهم أذاقوا الرومان الهزائم أطلق عليهم تسمية "البربر" التي تعني المتوحشين. وهم يعيشون في شمال إفريقيا ابتداء من القطر المصري شرقا حتى المحيط الأطلسي غرباً؛ على امتداد البحر المتوسط حتى الصحراء الكبرى جنوبا. لقد أضفى الأمازيغ بجمال ملامحهم جمالا إلى جمال إفريقيا، حيث أخذت الأمازيغيات مأخذا عظيما من الجمال، حيث تتلألأ عيونهن الملونة كألوان السندس، وبشرتهن البيضاء والشقراء المنقوشة بالنمش كأنه ياقوت منثور على وجناتهن، بالإضافة للوشوم الأمازيغية التي تجمع بين التراث والرقة، في تنوع رهيب لا مثيل له، فهو تنوع مغاير لطبيعة إفريقيا السمراء، حيث شكل الجمال الأمازيغي بألوانه وبريقه ما يشبه التاج الذي يزين رأس القارة الإفريقية.

يتحدث الأمازيغ اللغة الأمازيغية، حيث واجهت هذه اللغة تحديات حقيقية جابهت وجودها، ومثل هذه التحديات التحام الأمازيغيين بالثقافة العربية إبان الفتح الإسلامي، حيث ازدهرت العلوم والثقافية والمعرفة في ذلك العصر، وبسبب الانفتاح الأمازيغي على بقية العالم وخصوصا العالم العربي؛ التجأ الكثيرون من علماء وطلبة العلم الأمازيغ لاستخدام اللغة العربية لثلاثة أسباب:

 

أعد الأمازيغي طارق بن زياد جيشا عبر به البحر لفتح الأندلس، بموقف تقشعر له الأبدان، لقائد فذ محنك مع قبيلة قوية شديدة يفتحون بلادا غريبة ولم يمض على دخولهم الإسلام إلا سبعون عاما
أعد الأمازيغي طارق بن زياد جيشا عبر به البحر لفتح الأندلس، بموقف تقشعر له الأبدان، لقائد فذ محنك مع قبيلة قوية شديدة يفتحون بلادا غريبة ولم يمض على دخولهم الإسلام إلا سبعون عاما
 

أولها: اعتقادهم أن اللغة العربية قادرة على احتضان العلوم والمعرفة.

والسبب الثاني: هو أن اللغة العربية تعتبر موحدة في كافة المناطق والبلدان على عكس اللغة الأمازيغية التي تعاني من شتات لهجاتها في كل منطقة.

والسبب الثالث: كون الأمة الأمازيغية تستوطن منطقة شمال إفريقيا التي تعتبر منطقة التقاء عدة ثقافات منها الأوربية عبر البحر خصوصا عند مضيق جبل طارق إبان الفتح الإسلامي وقيام الأندلس، وحتى عند سقوط الأندلس شهدت مناطق الأمازيغ توافد الكثير من مسلمي الأندلس المطرودين، أو ما يعرف بهجرة الموريسكيين. ولأن الموريسكيين كانوا خليطا بشريا عجيبا؛ منهم الفارسي والتركي والعربي والأمازيغي والأوروبي، لهذا أصبحت المناطق الأمازيغية عبارة عن خليط من الثقافات واللغات جعلت من الأمازيغ يكتسبون عادات ويفقدون عادات أخرى.

 

وفي الفترة الأخيرة المصاحبة للاستعمار الفرنسي عانت اللغة الأمازيغية -كما اللغة العربية- من تحد واضح تمثل في الحرب الثقافية الفرنسية. يرى الأمازيغيون اليوم أن اعتبار لغتهم لغة رسمية كالعربية في الجزائر والمغرب سيحافظ عليها، كونها تراثا وإرثا ثقافيا يجب المحافظة عليه. 

للأمازيغ تاريخ مشرق ممتد عبر العصور، ومنذ عهد قبل الميلاد حارب الأمازيغ الفراعنة وانتصروا عليهم. وكانوا سدا حصينا ضد تدخل الرومان وتمكنوا من طردهم. أما في حقبة الدين الإسلامي فقد عرف عن الأمازيغ أنهم قبائل أولو بئس شديد، وقد كانت قوتهم وبأسهم عصية على الفتوحات الإسلامية في شمال إفريقيا، حتى جاء موسى بن نصير، وعلم قبائل الأمازيغ الدين الإسلامي بصورة صحيحة وأرسل إليهم عددا من التابعين يعلمونهم الإسلام، وحينما دخل الإسلام قلوبهم كانوا له نعم الظهير ونعم الحامين ونعم الفاتحين.
 

عرف عن الأمازيغ أنهم أهل عهد، وأمانة، وأنهم أهل الثقة، وبهم انتشر الإسلام، وفتح باب من المغرب باتجاه الأندلس

فقد أعد الأمازيغي طارق بن زياد جيشا مكونا من عشرين الف أمازيغي، عبر بهم البحر لفتح الأندلس، في موقف تقشعر له الأبدان، لقائد فذ محنك مع قبيلة قوية شديدة يفتحون بلاد غريبة. ولم يمض على دخولهم الإسلام إلا سبعون عاما، واستمرت فتوحات الأمازيغ في بلاد الأندلس، حيث كان لهم الفضل السابق بهذا الأمر. كما أن للأمازيغ الموقف المشرف بحماية الأندلس من السقوط بعد قرون من فتحها، فكلما تهاوت حصون المسلمين في الأندلس كانت كتائب جيوش الأمازيغ تعبر البحر وترد الأعداء وتحمي الأندلس حتى سقوط أخر مدينة بيد الصليبيين، فما عرف عن قبائل الأمازيغ أنهم قصروا في شيء في متناولهم ولم يفدوا به الأمة. وقد ولد من رحم هذه القبائل الجبارة القائد يوسف بن تاشفين، ذلك القائد الصنديد، الذي لبى نداء ملوك الطوائف وأدرك الأندلس من الضياع وأوقف التوغل الصليبي فيها.

ولم ينحصر عطاء الأمازيغ للإسلام في زمان أو مكان، حيث كانت لهم اليد الطولى في تحرير مدينة القدس من الصليبيين إبان حملة الناصر لدين الله صلاح الدين الأيوبي، حيث أسكن الأخير ثلة من الأمازيغ عند الزاوية الجنوبية الغربية للحرم القدسي، وهناك أخذت الحارة تسميتها؛ "حارة المغاربة". وحينما سُئِل صلاح الدين الأيوبي عن هذا الأمر قال: "أسكنت هناك من يثبتون في البر، ويبطشون في البحر، من أستأمنهم على هذا المسجد العظيم، وهذه المدينة". 

حيث بقي الأمازيغ يرابطون في مدينة القدس حتى خُذِلت المدينة في حرب الأيام الستة، حينها احتلت إسرائيل حارة المغاربة وهدمتها وطردت سكانها. من هنا تظهر للعيان مدى أمانة هذا الشعب العظيم، حيث استمروا بالرباط لقرون عديدة. كما أن للأمازيغ إسهاماتهم العلمية الجليّة، حيث خرج من رحم هذه القبائل العريقة العالم الأندلسي عباس بن فرناس، وأبن رشد، والشهير ابن بطوطة، وابن البيطار، والقائمة تطول بهذه الأسماء العريقة اللامعة.

 يحاول البعض إثارة الفتن بتزييف الحقائق التاريخية وإظهار الأمازيغ على أنهم استعبدوا من قبل العرب، وهذا منافي للتاريخ القويم، فلا توجد قوة على الأرض تستطيع استعباد رجال الأمازيغ العظام
 يحاول البعض إثارة الفتن بتزييف الحقائق التاريخية وإظهار الأمازيغ على أنهم استعبدوا من قبل العرب، وهذا منافي للتاريخ القويم، فلا توجد قوة على الأرض تستطيع استعباد رجال الأمازيغ العظام
 

وعرف عن الأمازيغ أنهم أهل عهد، وأمانة، وأنهم أهل الثقة، وبهم انتشر الإسلام، وفتح باب من المغرب باتجاه الأندلس. ولا بد أن نستذكر أن عطاء الأندلس كان للأمة الإسلامية دون سواها، فلا يغرنهم المغرضين الذين يحاولون أن يستسيغوا أن الأمازيغ كانوا صاغرين للعرب، بل العكس فإن الله أعز العرب والأمازيغ بالإسلام، وما أصاب الأمة الإسلامية بأمازيغها وعربها وتركها وفرسها وعجمها من وهن وضعف؛ إلا لأنهم تركوا العزة بدينهم وآثروا التفرق والافتراق.

ولهذا يحاول البعض إثارة الفتن بتزييف الحقائق التاريخية وإظهار الأمازيغ على أنهم استعبدوا من قبل العرب، وهذا مناف للتاريخ القويم، فلا توجد قوة على الأرض تستطيع استعباد رجال الأمازيغ العظام، وإن ما حصل هو أن الأمازيغ اعتنقوا دين الإسلام، وترسخت معاني الإسلام السامية في نفوسهم فزادتهم عزة وزادوها وقارا. كما قال المفكر طارق السويدان: "لولا عظماء الأمازيغ ما كانت حضارة الإسلام في الأندلس وشمال إفريقيا".

جميلة هي تلك القبائل الأبية، حيث ما زال عبق نسائم الفاتحين الأولين يسري في دياجير قراهم البسيطة، يحاولون جهد الإمكان المحافظة على إرثهم وتراثهم، ولعل أبرز ما في ذلك التراث؛ تلك الابتسامة التي يزينون بها وجوههم البشوشة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.