شعار قسم مدونات

كشف حساب

Blogs- sit
أعوام وسنين تمر بنا، وهذا عام جديد ينقضي من عمرك يُقربك إلى محطتك الأخيرة وينقصُ من إجمالي أيامك في هذه الحياة، ففي نهاية هذا العام أترى هل أنت راض عن ما قدمت من أعمال دينية ودنيوية خلال هذا العام؟ ربما لا تبالي بما يمر بك من أعمار وأيام تحسب عليك وأنت في بحر الغفلة تمضي، ربما لم تتوقع أن كل هذه الأيام تنقضي ولا تعلم أن تكون هذه هي النهاية.
 
الكثير من الناس كانوا تائهين في هذه الحياة إلى أن جاء عفو الله عن قلوبهم الحائرة وأراد الله بهم خيرا، وكانت اللحظة الحاسمة في العودة إلى الله ومن ثم المشي على صراطه في الدنيا حتى لقياه، وهذا الفضيل بن عياض رحمه الله، كان يقطع طريقا ويتسلق بيتا، وسمع كلام الله ينزل على قلبه يحول الغفلة والقسوة إلى رحمة ولين "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ" آن يارب، آن يارب.
  
وأنت أيضا، الحزن المستمر لك والتيه والكآبة التي تنقلك من سيئ إلى أسوأ، ونوازع الهوى التي بين جانبيك ليس لك طاقة بها إلا بتصحيح مسارك الذي تمشي به متخبطا، وتعود إلى مولاك وسيدك، وتعلم أن السنين التي تمر بك والتيه الذي تعيشه ليس له حل إلا بالعودة إلى خالقك، وهذا شيخنا الغزالي رحمه الله يقول لنا إنّ البعد عن الله لن يثمر إلا علقما، ومواهب الذكاء والقوة والجمال والمعرفة تتحول كلها إلى نقم ومصائب عندما تتعرى عن توفيق الله وتُحرم من بركته.
 
الله سبحانه وتعالى أرسل لنا الرسل وشرع لنا الدين حتى نعبده على بصيرة، ومن ثم ينضبط سلوكنا وتنضبط حياتنا وحتى لا ننحرف عن طريقه المستقيم، "وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا"، أي لو اتبع الناس الشريعة المنزلة والطريق المستقيم الذي أرسله لنا الله، لما تعب الإنسان في هذه الحياة ولما وجد نفسه تائها بين العباد، لأنه يعلم المراد من خلقه ومن جعله خليفة الله في أرضه، ولكن الشرود عن الطريق لا ينتج عنه إلا الضلال ولا يتبقى لنا إلا الحزن والهموم التي أورثتها الذنوب تلو الذنوب، إن تداول السنين والأيام بين يديك والنظر إلى مثل هذا اليوم من العام الماضي والنظر حولك فيما تبقى لك من أهل وأصدقاء وما فارقتهم وأودعتهم وبقيت أنت، كفيلٌ بأن تنظر مرة أخرى إلى الموت، ليس لشيء أكثر من أن تعرف حقيقة هذه الدنيا والتقليل من شأنها وعدم المغالاة فيها والاغترار بها.
  

قوم اعوجاج نفسك وأعد تنظيم حياتك من جديد بقرب إلى الله وحسن ظن به، ولا تيأس ولا تقنط ولا تجعل كل عام يمر عليك يكون مثل الذي قبله دون نتائج
قوم اعوجاج نفسك وأعد تنظيم حياتك من جديد بقرب إلى الله وحسن ظن به، ولا تيأس ولا تقنط ولا تجعل كل عام يمر عليك يكون مثل الذي قبله دون نتائج
  

إن السنة كما يقول عنها ابن القيم مثل الشجرة والشهور فروعها والأيام أغصانها والساعات أوراقها والأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنما يكون الحصاد يوم الميعاد؛ فعند الحصاد يتبين حلو الثمار من مرها، وها هي الأيام تنفلت من بين يدك وتقترب من البوابة الأخيرة، فماذا تتوقع أن يكون الحصاد؟

 
إنك الآن في مفترق طرق لكي تعيد حساباتك مع نفسك وتعترف أنك مقصر، بداخلك بعض الكسل والجمود الذي يوقف مسيرة نجاحك، تريد السير دون معرقلات، تبحث عن النجاح اليسير دون تعب أو كد، ترجو النجاة ولكنك لم تسلك المسلك الصحيح لها، أصعب تحد تقابله في حياتك عندما تثبت لنفسك وللآخرين بأنك جدير بالنجاح، جدير بالتحدي والاحترام.
  
وهل يوجد في هذه الحياة أعظم وأكرم من أن يفرح الله بتوبتك ورجوعك إليه مع غناه عنك وفقرك إليه؟ ومن رحمته أن يمهلك بعد كل هذه المعاصي والذنوب فأي حب أعظم من ذلك، فإنك أنت الضعيف وتحتاج إليه في كل نفس من أنفاسك، فارجع إليه وأعد تصحيح مسارك ورتب روحك المشتتة، وقوم اعوجاج نفسك وأعد تنظيم حياتك من جديد بقرب إلى الله وحسن ظن به، ولا تيأس ولا تقنط ولا تجعل كل عام يمر عليك يكون مثل الذي قبله دون نتائج يرضى بها الله عنك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.