شعار قسم مدونات

فيلم "The Shape Of Water".. نكهة جديدة للأفلام الرومانسية

blogs the shape of water

عشاق الأفلام الرومانسية يدركون جيدا تلك الغصة التي يعانون منها أثناء أحداث الفيلم، هذا القلق المُسيطر عليهم بأن الشر في كثير من الأحيان ينتصر على الحب والخير، وكل الأفلام الرومانسية التي خُلدت في تاريخ السينما كانت نهايتها حزينة، ربما يكون فيلم "Titanic" أهم مثال يثبت تلك النقطة، ولكن فيلم "The shape of water"؛ اختار الاحتفاء بالحب والخير، هذا الفيلم يجعلك تسترخي في مقعدك وأنت مطمئن أن الحب سينتصر، لن يترك المخرج ثغرة في قلبك للشك بأن النهاية سعيدة، حتى وأنت ترى البطل والبطلة يتعرضان للقتل؛ في داخلك تشعر أن المخرج سيجد حلا حتى لتلك الأزمة؛ هذا فيلم تشاهده عندما تجد صعوبة في تصديق أنه لا زال مكان في هذا العالم للحب.

 

فيلم "The Shape of Water" والذي عُرض في نهاية عام 2017، تدور أحداثه في الولايات المتحدة الأمريكية بفترة الستينيات، ويأخذك الفيلم منذ بدايته لحياة عاملة نظافة لأحد المعامل العلمية في ذاك الوقت، والتابعة للجيش الأمريكي، حياة إليزا بطلة الفيلم البكماء والتي تسمع جيدا، ولكنها تتواصل بلغة الإشارة، حياتها روتينية للغاية، ولكنها لا تكرهها، هناك بريق حياة في عينيها منذ بداية الفيلم؛ لا تجد له أي مبرر في حياتها الصغيرة الحزينة من وجهة نظر المشاهد؛ حتى يظهر نصفها الآخر، من العالم الآخر، لتعيش قصة حب هي أغرب ما شاهدته عيني على شاشات السينما.

لقطة من فيلم
لقطة من فيلم "The Shape Of Water" (مواقع التواصل)


في هذا المعمل؛ يحجز الجيش والعلماء كائنا برمائيا غريبا، يعاملوه بقسوة نابعة من خوف وجهل بقدراته القوية على التواصل، يربطونه ويجلدونه ويعذبونه، فيجرحهم بأظافره ويعضهم بأسنانه الحادة، فيعاقبوه مرة أخرى، ولكن إليزا لم تشعر تجاهه بالخوف، وكأنها تعرفه منذ مئات السنين، حتى بعد أن رأت الأصابع المبتورة تحت أسنانه، لم تهتم واهتمت فقط بما تراه في عينيه، تلك النافذة على روحه البريئة القوية الصامدة.

 

وطدت إليزا علاقتها بهذا الكائن، علمته بعضا من لغة الإشارة، جعلته عاشقا للموسيقى مثلها، أحبته لما هو عليه، وهو أحبها لما هي عليه أيضا، ولذلك حين قرر المسؤولون عن دراسة هذا الكائن الغريب قتله؛ كان على إليزا أن تستعين بأصدقائها لتهريبه وحمايته من قسوة الجاهلين بقدراته، ومن تأمُّل صداقاتها تدرك أن إليزا تختار في حياتها كل المنبوذين، زميلتها وصديقتها المقربة سمراء البشرة وتتعرض للعنصرية طوال الوقت نظرا للظروف التي عانى منها سود البشرة في الولايات المتحدة في ذاك الوقت.

 

وصديقها الآخر وجارها رجل عجوز رسام يحاول إيجاد مكان في عالم فني غزته اللقطات المصورة، بالإضافة إلى ميوله المثلية والذي يجعله منبوذا هو الآخر في هذا العالم، لم يتردد الإثنان في مساعدتها، ونجحت في تهريبه بمساعدة أحد الأطباء الذين يجدون خسارة حقيقية في قتل هذا الكائن النادر، وتبدأ قصة الحب الرائعة، والتي لا ينغصها شيء سوى الضرورة الحتمية لعودة هذا الكائن إلى مياة البحر، ولذلك على إليزا أن تودعه، ولكن كما ذكرنا في البداية؛ لن يتركك المخرج حزينا في نهاية الفيلم، وسيجد حلا للأزمة، وكأنه يفكر في نفسه أن الأمر في يده، فلماذا يفرق بين حبيبين في حين قدرته على لمّ شملهما بأي فكرة خيالية تخطر على باله؛ وهنا تكمن روعة صناعة الأفلام عندما يكون المخرج هو المؤلف.

 

مخرج فيلم
مخرج فيلم "The Shape of Water" والمؤلف "غيليرمو ديل تورو"  (مواقع التواصل)

مخرج الفيلم ومؤلفه وصاحب الفكرة غيليرمو ديل تورو حصل على جائزة غولدن غلوب كأفضل مخرج عن هذا الفيلم، كما ترشح لنفس الجائزة كأفضل سيناريو مكتوب للسينما، بينما توقع العديد من النقاد دخول فيلم "The Shape Of water" في سباق الأوسكار في دورته القادمة بمارس 2018. من الجدير بالذكر أن هذا الفيلم يعتبر انطلاقة جديدة لغيليرمو نظرا لمشاركته في العديد من الأعمال التلفزيونية، مما جعله مخرجا محسوبا على الشاشة الصغيرة أكثر من شاشة السينما، وترشحت الممثلة سالي هاوكنز بطلة الفيلم لجائزة أفضل ممثلة في دور رئيسي بجائزة الجولدن جلوب ولكنها لم تحصل عليها، ومن الجدير بالذكر أن سالي ترشحت من قبل لجائزة أوسكار أحسن ممثلة مساعدة عن دورها المميز في فيلم "Blue Jasmine".
 

الفيلم الذي دارت أحداثه في حقبة الستينيات؛ اختار الأغاني المميزة لتلك الفترة جزءا أساسيا في الموسيقى التصويرية للفيلم، ومزجها بموسقى حالمة مطمئنة؛ كان لها دور كبير في ترك الأثر النفسي بانتصار الحق في النهاية، لم تهاجم الموسيقى منطقة الراحة لدى المشاهد؛ بل منحته السلام والانفصال المؤقت عن الواقع المادي الجامد؛ خاصة عندما منح المخرج بطلة الفيلم البكماء فرصة خيالية للحديث والغناء والرقص، في مشهد هو مزيج من الخيال العلمي والدراما الاستعراضية، والأجواء الرومانسية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.