شعار قسم مدونات

المكان والزمان.. نوافذ ومراحل

Blogs- city

المكان والزمان.. نوافذ ومراحل، عندما يتغير أي معيار من كليهما تتفاوت درجة الانتماء والاندماج، فحنين الإنسان لكل منهما يجعل من وجوده وتواجده ووجده ذا طعم مختلط بإحساس إمّا أن يكبّله أو يحرّره.

           

هكذا شاء الله أن تكون حياتنا على سطح هذه الأرض التي نستمدّ منها كياننا وعشيرتنا وقُوتنا وقوَّتنا. على هذه الأرض اختار لنا القدر الأماكن التي نراها ونعيش فيها ومن خلالها نسعى للاستقرار والاستمرار، مليارات النفوس البشريّة تتعايش على هذه البسيطة وقد تفرّقت أماكنهم بتفرّق لغاتهم وتقاليدهم وأديانهم واهتماماتهم، ووجد كل منهم في الرقعة الجغرافية التي ينتمي إليها ما يجعله متمثلاً فيها ومتضامنا معها وساعيا لحماية نفسه بها. ويستمرّ هوسه بأن يعمّر في الأرض أو أن يستخلف فيها أو أن يعيش وكفى كلّ حسب ما اختار أن يوجّه عمره له وأن يكرس حياته لأجله.

        

هكذا شاء الله أن تكون حياتنا بين مولدنا ووفاتنا، يوم نبكيه ويوم يبكينا وزمن مستمرّ بين بين نصنع فيه ما قد يخلّد ذكرانا لمن نعيش معهم ولأجلهم. هو زمن يرتبط انطلاقه بيوم لا يخلّد في ذاكرتنا لكنّه يمثل ذاكرة لمن كان بالنسبة لهم يوم رزق وفرحة. هو زمن يرتبط انتهاؤه بنقطة ختام نؤمن بوجودها ووجود ما بعدها إيمانا يجعلنا نسلك طريقا في سبيل بلوغ السعادة الأبديّة.

                       

لعلّنا نتشارك نفس الزمان والمكان رغم أنّنا نختلف في نظرتنا للحياة وغرضنا منها، ولعلّنا نتباعد في الزمان والمكان لكن تتشابه حياتنا في أحداثها أو رسائلها أو أهدافها
لعلّنا نتشارك نفس الزمان والمكان رغم أنّنا نختلف في نظرتنا للحياة وغرضنا منها، ولعلّنا نتباعد في الزمان والمكان لكن تتشابه حياتنا في أحداثها أو رسائلها أو أهدافها
           

جدليّة الزمان والمكان هي كينونة لا بدّ منها حيث لا يمكن أن نحقق ذواتنا في غياب إحداها أو نغيّر في واقعنا دونها. هي رافعة الوجود الذي نفعل فيه وننتظر منه ما ينبغي أن ينتج عمّا فعلناه. هي ثنائيّة المسبّبين لتحقيق السبب المؤدي للنتيجة. وبتوفّر الحاضن الزّمكاني يصنع الحنين للّحظة بكل تفاصيلها، للصورة للرائحة للكلمة وللرفقة. هو الحنين الذي يُرسم في ذاكرتنا بكل تفاصيله ونحتفظ بتكراره متى شئنا. ولنفس الشعور تسوءنا ذكرى وتسعدنا أخرى، وخلقنا الله بهذه المنّة حتى نسكن لأنفسنا لبرهة نفكّر فيها ونحنّ إليها ونرتّب فيها "ألبوم لحظاتنا الباقية".

            

نكبر وتمرّ علينا الساعات والأيام والأسابيع والشهور والسنين. ونكبر وتمرّ بنا المراحل من طفولة لمراهقة لكهولة وشيخوخة. نكبر وتختلف صفاتنا، من أبناء لإخوة لأزواج لآباء لأعمام وأخوال وأجداد، وكلها نحن لكنّ الزمن هو ما جعلنا نجمع كل هذه الصفات ونسعد بها وبمرور الزمن لتحقّقها. نكبر ونتنقّل ونسافر ونزور، ونمرّ من مكان لمكان من الروضة للمدرسة للمعهد للجامعة، من منزل العائلة لمنزل الزوجية، من غرفة الألعاب لمكتب العمل، من الجامع للرحلة للسفرة للحفلة.

           

هكذا نأخذ الزمكان معنا في كل أحداث حياتنا المتشعبة، ويكون لكل منها ضرورة وإطار. ويستمرّ بناء على كل ذلك الحنين والشوق للحظة بعينها وشخص بذاته وحديث محدّد أو متقطّع أو غامض أو صامت. فلعلّنا نتشارك نفس الزمان والمكان رغم أنّنا نختلف في نظرتنا للحياة وغرضنا منها، ولعلّنا نتباعد في الزمان والمكان لكن تتشابه حياتنا في أحداثها أو رسائلها أو أهدافها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.