لقد كان كل هذا الزعم وهذا الكلام نوعا من الادعاء المخادع الذي يلعب على الوتر الحساس في نفسية المواطن العربي الذي يرى أن الإصلاح يبدأ من الزعيم أو المسؤول، وأنه يستطيع بإخلاصه وأمانته إحداث التغيير المطلوب وجعل الواقع أفضل، وهذا الأمر يتماشى مع الموروث الثقافي العربي الذي يقوم على الأساس القبلي الذي يعطي لزعيم القبيلة الحق في التصرف وفق ما يراه مناسبا، وأن قرارته لا تحتمل الخطأ ولا يجوز لأي شخص أن يعترض أو يبدي رأيه في تلك السياسات والقرارات.
يوجد أناس أكفاء أمناء يعملون بكل جد ونشاط على تغيير الواقع وينجحون أحياناً في هذا الأمر بشكل محدود، ولكن نجاحهم في العادة يصطدم مع مؤسسات ترعى الفساد وتقننه وينتهي أثرهم |
لقد مر قرابة القرن منذ أن استقلت البلاد العربية وما زالت تدور في دائرة مفرغة من الفعل وردات الفعل التي تقوم في الغالب على معالجة ما يحدث وما يستجد دون أن يكون هناك خطط مستقبلية أو استشراف للمستقبل بحيث يكون هناك توقع للأحداث المستقبلية والتي يكون هناك استعداد للتعامل معها على أساس علمي. للأسف الشديد أن العرب جهلوا ما يحتاجونه وتغافلوا عما يحقق لهم التقدم والريادة ويجعل لهم مكانة واحتراما في عالم اليوم الذي يقوم على أساس الحرية والإبداع والابتكار.
أقول بكل ثقة أننا لا نحتاج للزعماء المتدينين الأمناء الصادقين الذين سوف يعملون بكل قوة وعزم على تغيير الواقع وإصلاحه، بل نحن نحتاج إلى أن نوجد قوانين وأنظمة تحدد علاقة المؤسسات وتمنع الأفرد من التفرد والاستبداد وتتميز بالشفافية التي تكافئ الناجح وتعاقب المسيء وتجعل الجميع سواسية أمام القانون.
نعم! يوجد أناس أكفاء أمناء يعملون بكل جد ونشاط على تغيير الواقع وينجحون أحياناً في هذا الأمر بشكل محدود، ولكن نجاحهم في العادة يصطدم مع مؤسسات ترعى الفساد وتقننه وينتهي أثرهم بانتهاء عملهم في هذه الأماكن، فيزول ما عملوا له ويختفي كل شيء.. لأن المطلوب ليس صفات فردية وملكات قيادية… بل مطلوب قوانين وأنظمة تحدد حدود وصلاحيات كل فرد تحاسب الجميع وتجعلهم يخضعون لنفس المعايير والقوانين التي تحدد لهم الخطوط العريضة لعملهم ضمن مؤسسات لها قانونها الذي يجب على الجميع دون استثناء أن يسير وفقه.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.