شعار قسم مدونات

انفراجة غزة.. خيار أم إجبار؟

blogs غزة

مؤخراً كثر الحديث في قطاع غزة عن انفراجة باتت وشيكة وقريبة (قاب قوسين أو أدنى)، وستغير الوضع الإنساني لسكانه، وتفتح المعابر وينتعش القطاع الاقتصادي لدرجة القضاء التام على البطالة وخفض نسبة الفقر التي وصلت لأعلى درجة وانتهاء أزمة الموظفين والرواتب والكهرباء والمياه و… و… و… و… إلخ.

 

وازادت وتيرة الحديث عن الانفراجة أكثر بشكل خاص بعد تقارب وجهات النظر بين حركة حماس من جهة والمخلص – كما روج له- القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان من جهة أخرى، رغم الإرث الدامي العدائي الذي استمر بين الطرفين لسنوات. ورغم الأحاديث الإعلامية التي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى؛ إلى أن ملامح تلك العلاقة بين الطرفين لم تتضح بعد، لكنها تبدو حزمة متكاملة ستغير المشهد الداخلي في قطاع غزة، في ظل الأزمات المتكررة التي تعصف به.

ولا شك أن تلك التسريبات تحدثت عن انفراجات أو فرجات سياسية واقتصادية واجتماعية وحل الإشكاليات المستعصية التي خلفها الحصار المفروض على القطاع منذ عشر سنوات، وسريعاً بدأ توريد السولار الصناعي المصري الخاص بتشغيل محطة الكهرباء، والعمل على فتح معبر رفح بشكل شبه دائم وتفعيل ملف المصالحة المجتمعية عبر إنشاء صندوق وطني يتكفل دحلان بتمويله.

لا يوجد مؤشر يوحي أن خيراً سيأتي يوماً من السيسي أو دحلان، والأكثر وهماً من يعتقد أن هناك خلافاً بين دحلان وعبّاس حول غزة، فهؤلاء يختلفون على كل شيء لكنهم يتفقون لضرب كل مفصل للقضية الفلسطينية
لا يوجد مؤشر يوحي أن خيراً سيأتي يوماً من السيسي أو دحلان، والأكثر وهماً من يعتقد أن هناك خلافاً بين دحلان وعبّاس حول غزة، فهؤلاء يختلفون على كل شيء لكنهم يتفقون لضرب كل مفصل للقضية الفلسطينية
 

إلا أن تلك الفرجات بدأت بالتلاشي، وبدأت ملامح اللعبة التي انطلت على البعض تتكشف خيوطها، فمحمود عبّاس بدأ يضغط على حركة حماس حد الخنق، ومصر المتمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي توقف إمداداتها وتستمر في خناقها لغزة وإسرائيل لم تكن أكثر رحمة من سابقيها، فكل هذه الإجراءات جاءت متزامنة.

كل ما سبق يحدث وراء الكواليس وعلى الطاولات المستديرة لكن على الأرض المحاصرة، ساعات وصل الكهرباء لسكان قطاع غزة لا زالت لا تتعدا الأربع ساعات مقابل اثنا عشر ساعة فصل، رغم استمرار الجانب المصري في توريد السولار الصناعي لمحطة التوليد، وذلك لان تلك المحطة تنتج 24 ميغاواط فقط في أحسن حالاتها من احتياج القطاع البالغ 600 ميغاواط. والرئيس الفلسطيني محمود عبّاس لا يدفع ثمن الوقود للجانب الإسرائيلي بل ويطلب تقليص الكهرباء القادمة من خطوط يتحكم بها الاحتلال، وعلى الفور تستجيب إسرائيل وتخفض الكهرباء الواصلة للقطاع لتصبح اليوم 70 ميغاواط فقط.

ثم يفرح "البعض" بالوقود المصري الذي يُبقي غزة وبالاتفاق بين عباس ودحلان ومصر في حالة احتضار، أي ما يكفي للعيش دون الموت، ليصل الناس لمرحلة "التراقي"، بالمناسبة فإن السيسي رفض مؤخراً إدخال قافلة مساعدات جزائرية لقطاع غزة، لأن المطلوب ليس مساعدة قطاع غزة لكن تنفيذ المخطط.

إن من ينسق مع دحلان اليوم يجب أن يبحث عن وسائل وحلول وخيارات أخرى وأن لا يسير بإرادته نحو المقصلة، فالسيسي ودحلان والإمارات ليسوا خياراً أو حلاً

إعفاء الاحتلال الإسرائيلي من مسؤولياته، وتسلم "رقبة" غزة لمصر السيسي ودحلان ليتحكما بالقطاع وأهله، كان هذا الهدف الرئيسي من كل هذه الأزمات، من خلال جعل معبر رفح الرئة والمنفذ الوحيد للبضائع والأفراد، (كما يقال) بضمان وتمويل إماراتي، وتنفيذ محمد دحلان، ولو فكر أحد ما بالاعتراض تُقفل الحنفية، ويُغلق المعبر، وتقطع الكهرباء، وتُوقف المساعدات والأموال، والاحتلال يتفرج ويراقب ويحرك ويقرر، وعلى رأي المثل: "اللي صاححلو عشى لشو يزفر إيديه".

لا يوجد أي مؤشر يوحي أن خيراً سيأتي يوماً من السيسي أو دحلان، والأكثر وهماً من يعتقد أن هناك خلافاً بين دحلان وعبّاس عندما يتعلق الأمر بغزة، فهؤلاء يختلفون على كل شيء لكنهم يتفقون حد التطابق التام لضرب كل مفصل من مفاصل القضية الفلسطينية، غزة كانت أو القدس والأقصى أو اللاجئين.

يتساءل بعض المحللين بأن هذه الأحداث هي مقدمة لترك قطاع غزة لمصيره ومعاناته، الإجابة ستكون في الأيام القادمة والإجراءات التي ستتخذها مصر تجاه قطاع غزة، لكن هناك حقائق يجب أن لا تنسى وأهمها أن من ينسق مع دحلان اليوم يجب أن يبحث عن وسائل وحلول وخيارات أخرى وأن لا يسير بإرادته نحو المقصلة، فالسيسي ودحلان والإمارات ليسوا خياراً أو حلاً. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.