هم الذين طالما كرهوا فكرة الديموقراطية التي تعني في جوهرها "وضع السلطة في يد عامة الشعب" والذي ينظر إليهم أولئك الأغنياء بكونهم "قطعاناً شاردة" لا بد من ترويضها من خلال "تصنيع نظام دستوري ممانع للديموقراطية" التي طالما دعاها الآباء المؤسسون "طغيان الأغلبية". |
وهو الشيخ المجتهد الذي قارب على نهاية العقد التاسع من عمره الذي كرس جلّه للعمل المعرفي الثاقب الفذ الذي لخص جوهره المحرك مؤرخ تاريخ المقهورين والمظلومين، وشيخ مؤرخي الولايات المتحدة الراحل هوارد زين في مقدمة كتبها في العام 2002 لنسخة معادة الطبع من كتاب تشومسكي الأول في الحقل السياسي " القوة الأمريكية" الذي صدر في العام 1969 بتساؤله "عن السبب الذي يدعو تشومسكي كفيلسوف في اللغة على المستوى العالمي، توصف اجتهاداته في حقل اللغويات بشكل متكرر بأنها مقاربة في وزنها العلمي لكشوف آينشتاين في الفيزياء، وفرويد في علم النفس، للكتابة ضد الحرب الأمريكية في فيتنام" ليتبعها بإجابة من منطوق ما كتبه تشومسكي في سياق تكثيفه "لمسؤولية المثقفين" بقوله: "إنّ مسؤولية المثقفين تكمن في قول الحقيقة وكشف الأكاذيب والباطل".
وهو المبدأ العمومي الذي شكّل الناظم غير المتغاير في عمل تشومسكي الفكري الممتد على سبعة عقود دون أن ينزاح عنه قيد أنملة، على الرغم من كل ما تعرض له من هجمات من المثقفين من فئة "المرتزقة، ووعاظ السلاطين، وصناع الدعاية السوداء"، والتي لم تزده إلا صلابة وإصراراً على مقاومة الباطل، وتفنيد الأكاذيب "بالتوثيق الثاقب والحقائق المغيبة" على حد توصيف شيخ مقاومة غطرسة الشركات العابرة للقارات في الولايات المتحدة وكونياً المفكر رالف نادر.
"كل شيء لنا، ولا شيء للآخرين"، هو الشعار الذي أفضى إلى نتائج سوداوية في المجتمع الأمريكي جراء غياب "رد فعل شعبي عام "لمقاومة" تقزيم الديموقراطية الممنهج في الولايات المتحدة منذ تأسيسها وحتى اللحظة الراهنة". |
ويقوم المبدأ الأول من المبادئ العشرة موضوع الحوار مع تشومسكي على أساس "تقزيم الديموقراطية" المرتبط عضوياً بالكيفية التي صاغ فيها الآباء المؤسسون للولايات المتحدة نظامها السياسي والاقتصادي القائم على "تركز السلطة في يد الأغنياء"، وهم الذين طالما كرهوا فكرة الديموقراطية التي تعني في جوهرها "وضع السلطة في يد عامة الشعب" والذي ينظر إليهم أولئك الأغنياء بكونهم "قطعاناً شاردة" لا بد من ترويضها من خلال "تصنيع نظام دستوري ممانع للديموقراطية" التي طالما دعاها الآباء المؤسسون "طغيان الأغلبية"، وهو ما قاد بالتالي إلى "حلقة معيبة تعزز نفسها" في المجتمع الأمريكي تقوم على أساس "تركز الثروة يقود لتركيز للسلطة" وخاصة في "ضوء التعملق الخيالي لنفقات الدعاية الانتخابية" وهو ما قاد إلى "انغماس الأحزاب السياسية الأمريكية في جيوب الشركات الكبرى" التي تمول الحملات الانتخابية لممثلي تلك الأحزاب على المستويين التشريعي والرئاسي.
وهو التمويل الذي سرعان ما يعطي أكله عبر تشريعات يصدرها أولئك المنتخبون بالاستناد إلى ذلك التمويل، لتعمل تلك التشريعات بدورها على زيادة تركيز الثروة في يد أولئك الممولين، من خلال قوانين الضرائب، وإرخاء القوانين الرقابية على عمل الشركات الكبرى، لتقود بالتالي إلى تحقق فعلي لما دعاه آدم سميث في كتابه ثروة الأمم في العام 1776 "الشعار المقزز" لأولئك الذين "يملكون المجتمع" والذين دعاهم سميث آنذاك "سادة الجنس البشري" القائم على "كل شيء لنا، ولا شيء للآخرين"، وهو الشعار الذي أفضى إلى نتائج سوداوية في المجتمع الأمريكي جراء غياب "رد فعل شعبي عام "لمقاومة" تقزيم الديموقراطية الممنهج في الولايات المتحدة منذ تأسيسها وحتى اللحظة الراهنة".
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.