شعار قسم مدونات

دخلها خائباً مهزوماً

blogs ياسر عرفات

تمر على الشعب الفلسطيني في الأول من تموز من كل عام ذكرى دخول ياسر عرفات إلى غزة، الأمر الذي قسم الشعب الفلسطيني إلى قسمين بين مؤيد ومعارض وبين متفائل ومتشائم وسط سيل من الجماهير العرفاتية في قطاع غزة وسيلا من الأهازيج الممجدة لفخامة الرئيس ذو العقال والكفية، دخل عرفات يلوح بيديه كأي زعيم عربي رافعا بيده اصبعين يلوح بهما ذات اليمين وذات اليسار فالمسحجون صفقوا وهللوا وهتفوا لهذا النصر الأوسلوي الجديد بعد عناء من الويلات والحصارات المطبقة والتي أرهقت كاهل الثورة الفلسطينية كما يدعون.

لكن لم يكن أحد ليعلم أن تلك الإشارة بإصبعيه ليست رمزا للنصر كما اعتقد الكثيرين بل كانت إشارة من عرفات أنه استطاع شق فلسطين وشعبها إلى قسمين وشق كل المؤسسات الفلسطينية ومعها الفصائلية إلى قسمين، قسم ارستقراطي يحظى بدعم الرئيس وسلطته مؤلف من رجالات أفرزها بيديه طيل فترة قيادة الثورة في الشتات وقسم أشبه بالرعاع ليس عليه سوى التصفيق والتسحيج للقائد الرمز والانحناء سمعا وطاعة لأوامره وإلا كانت أروقة الوقائي بانتظاره.

الأمر الثاني الذي كان بمثابة نكبة صنعها عرفات ورجاله هي خلق مؤسسات جديدة خاصة بسلطة الحكم الذاتي ستصبح لاحقا هي البديل عن المؤسسات الفلسطينية ذات التمثيل الواحد لكل أطياف الشعب الفلسطيني فكان المجلس التشريعي هو البديل الأول عن المجلس الوطني الفلسطيني الذي تلاشى فعليا بعد دخول عرفات ومنظماته إلى غزة وأريحا، هذا التغيير الانفصالي الجديد خلق بشأنه انقساما واضحا للمرة الأولى في تكوينات الشعب الفلسطيني فأصبح هناك كنتونات أشبه بالدويلات.

 

يبقى الواقع الفلسطيني اليوم في ظل ما تعيشه الأراضي الفلسطينية بعيد تأسيس سلطة أوسلو خير جواب شافي لأي عاقل يريد النظر بمنظور الفهم والحقيقة وليس بعين العاطفة وسياسة التسحيج والتطبيل

تجلى هذا في كلام العامة في شوارع المخيمات حين أصاب اليأس قلوب الكثيرين من أبناء الخيمة الذين لم يروا في هذه الدويلة المسخ إلا سلطة تمثل الضفاويون والغزيين وبالعربي الفصيح كما قال أحد المقاتلين القدماء هذه الدولة ليست لنا هذه لأبناء غزة والضفة، وهذه حقيقة مرة يحاول الكثيرين استغباء أنفسهم وعدم تصديقها وبالتالي كان الانقسام الأول والواضح في قضية الفلسطينية وثورتهم على يد الختيار. أيعقل كل هذه الهزائم ولا زلنا نسميها نصرا ونطلق عليه اسم الفاتح؟! أي نصر هذا وكيف تم؟!

يذكر الكاتب بنويت فوكون في كتابه الضفاويون أو كيف صنع المال منظمة التحرير، يذكر كيف تخلص عرفات من خصومه بعد خروجه من لبنان حين أعطى إشارة رمزية لهذه السلطة في صيف 1982 حين قال إني أرى نفقا مظلما في نهايته فلسطين هذا النفق الذي كان عرفات يسعى لتأسيسه ربما قبل السادات نفسه، الأمر الذي أوجب على عرفات التخلص من خصومه في فتح ذوي المنهجية الثورية واستبدالهم برجال أعمال ودبلوماسيين وهذا ما تم فقد اجتمع عرفات في تونس عام 1991 بحوالي أربعمائة من رجال الأعمال والمصرفيين والتجار والدبلوماسيين الفلسطينيين وحين سأله أحد الصحفيين عن هذا الاجتماع قال هذه نواة الدولة الفلسطينية الجديدة.

 

إذاً دخل عرفات المعترك التسووي مستندا إلى الروتشيلديين العرفاتيين كما ذكر الكاتب في كتابه ليعبر إلى مصالحة مع عدوه، تضمن له زعامة تليق بمرتبة الملوك والرؤساء، فكانت أوسلو هي الوسيلة والتي لم تكن أصلا وفق البرنامج المرحلي الذي أطلقه يسار المنظمة وتبنتها المنظمة في دورتها عام 1974 بل كان انقلابا حتى على المرحلية واستحواذا كاملا لعرفات على استلام زمام التسوية بطريقة بخسة لا ترتقي إلى مستوى المباحثات والاتفاقيات الدولية الخاصة بفض النزاعات، فكانت أسرع اتفاق لأطول وأعقد قضية في التاريخ. أيعقل هذا أن نسميه نصرا؟!

لم يكن أحد ليعلم أن تلك الإشارة بإصبعيه ليست رمزا للنصر كما اعتقد الكثيرين بل كانت إشارة من عرفات أنه استطاع شق فلسطين وشعبها إلى قسمين وشق كل المؤسسات الفلسطينية ومعها الفصائلية إلى قسمين

واليوم بعد مرور ثلاثة وعشرون عاما على دخول عرفات إلى غزة يستيقظ السؤال والاحتمال من غفوته ليصحو ثانية ويعيد تكراره على المشهد والواقع ثانية هل كانت إشارة النصر رمزا لنصر أم اشارة إلى إثنية جديدة سيعيشها الشعب الفلسطيني مستقبلا. وهل عاد عرفات إلى غزة محررا وفاتحا أم عاد إليها خائبا مهزوما؟

يبقى الواقع الفلسطيني اليوم في ظل ما تعيشه الأراضي الفلسطينية بعيد تأسيس سلطة أوسلو خير جواب شافي لأي عاقل يريد النظر بمنظور الفهم والحقيقة وليس بعين العاطفة وسياسة التسحيج والتطبيل فهذه هي السجون التي قسمت الشعب إلى نصفين وربما أكثر بين مؤيد لسياسة السلطة وبين من رأى أنها وكيل أمني لدى دولة الاحتلال.

وهذه هي المؤسسات التي أصبحت حكرا على مافيات فتحاوية وعرفاتية ولاحقا عباسية وهذه هي المنظمة التي تلاشت كضباب بعد أن أشرقت مكاتب السلطة ووزاراتها أما اللاجئيين فتم استبدالهم بكلمة المغتربين. وللقصة بقية..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.