شعار قسم مدونات

حين سقطتُ عاجزة

blogs - امرأة حزينة

في خيالاتي المتعددة (أحلام اليقظة) أكون صاحبة شخصية باسلة لا غبار عليها، أو شخصية غامضة ذات كاريزما مميزة؛ أجدني دائماً من خلال تلك السيناريوهات الحالمة -التي أبتكرها- في مواجهات حتمية مع تحديات عظيمة وآلام وأحزان مديدة وصراع بطولي حتى مع الموت ذاته! وبالطبع أكون المنتصرة دوماً في تلك البطولات الوهمية التي ابتكرتها؛ لأهرب إليها أغلب الأوقات من صخب ورتابة الحياة الواقعية ومن المحيطين بي.

في تلك التخيلات الوردية نحن أبطال شجعان أقوياء وأذكياء وذو طاقة إيجابية لا تنتهي مهما كانت المصاعب، ونعرف ما العمل وكيف القيام به على أحسن وجه، نهزم الموت والألم والمرض ونهزم حتى الوجه الآخر المظلم من أنفسنا! ولكن ما أن تواجه هذه الأمور الصعبة في حياتك الواقعية فلن تصدق مدى ضعفك وهشاشة قلبك وانعدام استعدادك الفعلي لمواجهتها وحدك، وهذه الأمور الطارئة أو الصعبة حتماً سوف تصيب أي إنسان في مرحلة ما من حياته.

دخلت في نوبة بكاء متواصلة ومحاولات يائسة في تحرير نفسي من وطأة الشعور بالرعب والعجز، مع تردد هذه الجملة طوال الوقت كلما استطعت: (الله معي)

والمرض وحده أسوأ خصوم الإنسان وأحلكهم ظلمة منذ الولادة حتى الممات، وهو كفيل بجعلك تتخبط بقوة في حياتك وتتلوى من الألم والحيرة كالسمكة التي أخرجت من الماء (بيتها الآمن)، وهي لا تعلم ما الذي يجرى لها أو أين صبحت لتوها! وقد مررت هذه الأيام بنكسة صحية ونفسية جعلتني أرغب في أرعب لحظة منها في الموت السريع والانتهاء من كل هذا الألم والعجز الفظيع الذي شعرت به لحظتها.
 

وكانت ردة فعلي واستجابتي لهذه النكسة في العالم الواقعي مختلفة جداً مقارنة بتلك الخيالات البطولية مع الأسف الشديد، صور وأشخاص وأحداث وهموم ومصائب مرت على رأسي فجأة دون وعي مني لتزيد من رعبي وتوجسي وألمي رغماً عني، تساؤلات وأفكار ملعونة لا أعلم من أين ظهرت لي وأنا في تلك الحالة العاجزة؟

إنني أكتب هذه التدوينة وأنا ما زلتُ أعاني بعضاً من هذيان العجز والمرض، إن النوبة التي مررت بها جعلتني أشعر بالذعر الفظيع، وما أيقنته ساعتها أنني كنت عاجزة تماماً عن مساعدة نفسي وتهدئتها رغم قوة شخصيتي وإلمامي ببعض المعرفة والحلول تجاه أعراض المرض الجسدي ونوبات القلق والهلع. كان كل عضو في جسدي يشكو ألم مختلف عن العضو الآخر، بالإضافة إلى الضيق والرعب الذي كان يجثو على صدري كالجبل العظيم، لم أستطع مواساة أو حتى احتواء ألم أي جزء مما كنت أشعر به، أو أن أتدارك حتى ما سبب كل هذا السواد المقيت والألم المتواصل الذي كنت أغرق فيه في تلك السويعات التي بدت لي أنها تطول وتمتد لدهر لن ينتهي أبداً.

أولاً تكلمت مع الله عز وجل بنبرة المتوسل الضعيف الذي يريد الشفاء العاجل والخلاص: ساعدني يا رب، اشفني يا رب، لا تتركني يا الله هكذا! ثم بعدها بساعة أو ساعتين بنبرة العاجز الغاضب: لماذا يا ربي لماذا؟ لماذا خلقتني وجعلتني أتألم هكذا؟ لماذا أوجدتني أصلاً في دنيا فانية وجعلتني أواجه ما أواجه؟ وأنت تعلم أنني ضعيفة هشة عاجزة، فلماذا تحمّلني ما لا طاقة به؟

إن كنت تشعر بشيء -عزيزي وعزيزتي- من التعب الجسدي أو النفسي المتكرر أو بالحالة المزاجية المتقلبة رغماً عنك، فلا تتجاهل الأمر وتظن أنه شيئا عادياً

لأدخل بعدها في نوبة بكاء متواصلة ومحاولات يائسة في تحرير نفسي من وطأة الشعور بالرعب والعجز، مع تردد هذه الجملة طوال الوقت كلما استطعت: (الله معي وأنا مع الله)! لو لا وجود أختي مريم وأمي تلك اللحظات لكانت حالتي أسوأ بكثير، وبعدها تواصل صديقتي أسمهان عبر الهاتف، الذي سهّل عليّ الأمر وأشعرني بالمحبة والأمان وبالقوة والقدرة على المقاومة والصبر.

ومن تجربتي هذه أقول لكم، لا تتركوا صغاركم أو كباركم أو أصدقائكم أو حتى أنفسكم بلا عون ومساندة صادقة منكم أو من الآخرين، مهما كان ذلك الشخص -في نظركم- قوي الشخصية وصبور تجاه مصاعب هذه الدنيا وويلاتها .ابقوا معهم طوال فترة محنتهم واصبروا عليهم، اسندوهم فهم كالغصن الضعيف الذي سوف ينكسر بسهولة حتى من نسمة عابرة، قولوا: كل شيء سيكون على ما يرام، وإن لم يكن، فنحن معك هنا طوال الوقت ولن نتركك وحيداً مهما حدث.

كونوا لطفاء معهم وبجانبهم طوال الوقت، ولا تكثروا من النصائح وعبارات العتب مثل: أنت قليل الإيمان، أنت لا تأكل طعامك بانتظام، أنت لا تنام في الليل والآن أنت تحصد نتائج أفعالك وأسلوب حياتك! وإلا فالأفضل أن تبقوا بعيدين عنهم، لأنكم فقط تزيدون الطين بلة، حتى وإن كنتم صادقين في كلامكم وكان عتابكم ناتج عن خوفكم وعطفكم وحبكم لهم.

وإن كنت تشعر بشيء -عزيزي وعزيزتي- من التعب الجسدي أو النفسي المتكرر أو بالحالة المزاجية المتقلبة رغماً عنك، فلا تتجاهل الأمر وتظن أنه شيئا عادياً أو تعتقد أنه بإمكانك احتواءه بعد أن يكبر ويصبح مشكلة جدية، لا تستهين بالعوارض والإشارات التي تصدر عن جسدك أو عن حالتك النفسية، فقد تصبح النتائج وخيمة. واعلم أنك لا تحب النصائح والإرشادات من أشخاص لا يعرفون عنك شيئاً، وأنا مثلك تماماً، ولكن بحق نفسك عليك ولأجل عائلتك ومن يحبونك ويهتمون بك أطلب المساعدة ولا تتردد أبداً، وثقف نفسك جيداً حول هذه الأمور لتتعلم كيف تدرك وتعرف وتساعد نفسك جيداً وتساعد من حولك أيضاً. وتذكروها دائماً: (مرض ليلة واحدة يعادل صحة عام كامل).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.