شعار قسم مدونات

إخوان الصومال وشبح التفكك والتشرذم

مدونات - خريطة الصومال

حركة الإصلاح في الصومال حركة إسلامية إخوانية تأسست عام 1978م، ومن بين أهدافها تقوية العلاقات الأخوية بين الشعوب الإسلامية والعربية والإفريقية بمنطقة القرن الإفريقي إلا أنها تواجه حاليا اختبارا في المصداقية والامتثال لتعاليمها وأدبياتها الفكرية الداعية إلى التآخي والترابط ونبذ الفرقة والقطيعة فيما بين أعضائها قبل غيرهم؛ وهي معان سامية فشل إخوان الصومال في تحقيقها على الأقل في المرحلة الراهنة، بل حدث تنابز وتدابر وتراشق إعلامي وتبادل اتهامات بالتخابر مع جهات مشبوهة؛ مما أدى في النهاية إلى سقوط الأقنعة والعمائم والقبعات، كما يقولون.

وبالطبع يأتي كل ذلك على خلاف تعاليم الإخوان ومآثر مرشديهم القائلة "إن الأخَ الصادقَ يرى إخوانَه أوْلى بنفسِه من نفسه؛ لأنه إن لم يكن بهم فلن يكونَ بغيرهم، وهم إن لم يكونوا به كانوا بغيره، وإن من حقوق الأخوة الصبر على خطأ الأخ حتى يرجع للحق، من غير تشهيرٍ به أو إشاعةٍ لزلاته.

من الطبيعي أن تتعرض الحركات الإسلامية في جميع أقطار العالم لابتلاءات وانشقاقات داخلية بين الحين والآخر بحسب البيئة السياسية والاجتماعية التي تتفاعل معها؛ ولكن الغريب في الصومال أن يستمرئ القادة الكبار العيش في واقع التضعضع والانقسام، وألا تكون هناك مبادرات جادة للمِّ الشمل وتوحيد الصف الإخواني من جديد مهما كانت العوائق في طريق الوحدة المنشودة. 

استنادا إلى رؤى كوادر قيادية من الجماعة فإن مصير حركة الإخوان في الصومال مرتبط بما يستجد في ساحة الإخوان الدولي، وبمدى استلهام الموروث الإخواني الأصيل.

ومن مظاهر غياب روح المبادرة وفقدان حسِّ المسؤولية ما هو ملاحَظ في الأوساط القيادية قبل القاعدة من الانشغال بالمشاريع الخاصة وسط أجواء من الخمول والكسل والتبلُّد تجاه كل ما له علاقة بالأنشطة الدعوية ناهيك عن التفكير في بلورة مبادرات تستهدف بناء الثقة بين مكونات حركة الإصلاح التي انقسمت إلى ما يقارب ثلاثة أجنحة بفعل تطورات دراماتيكية وصراعات بين مؤسسيها منذ عام 2000م.

وإن تطفلي في الحديث عن هذا الموضوع ما هو إلا محاولة لتحريك المياه الراكدة، مع الافتراض بأن الخوض في هذا المجال لم يعد حكرا على القيادة العليا للحركة ، وخاصة أن أغلبهم يكاد يخرج من قائمة المعوَّلين عليهم في أيه تسوية مستقبلية بين الفرقاء؛ وذلك لعوامل من بينها تقدُّم بعضهم في العمر، وتشبُّث آخرين بمواقف ومسائل تكتيكية، وربما مازال بعضهم يفضِّل التعادي والتخندق وركوب الغرور بدل التكاشف والتنازل والتلاحم بعيدا عن الأغراض الشخصية والأوهام النرجسية التي تتحكم في كثير من القيادات العليا للحركة ممن يعزى إليهم أسباب التمزق وإثارة العصبية المناطقية بحسب رؤية بعض المراقبين.

لا غرو أن تبدي نسبة كبيرة -ممن التقيت بهم من أبناء الحركة- باليأس تجاه إمكانية إعادة توحيد الجماعة؛ لأن الخلاف صار أكثر تعقيدا مع مرور الوقت، ورغم ذلك ما زال الأمل باقيا لعوامل كثيرة من بينها: 
– إن الخلاف ليس منهجيا وإنما هو مرتبط أكثر بمصالح خاصة وصراعات قبلية يصعب فهمها بالنسبة للبعيدين عن البيئة المحلية؛ وبالتالي فـإن التصالح ممكن بقدر ضمان سلامة مصالح المتنفِّذين في المجموعات الإخوانية، ولاسيما فيما يخص بالمؤسسات التعليمية والعقارات والمؤسسات الخيرية وكذا الألقاب الحركية التي لا تزال سارية المفعول لدى بعض الدول والهيئات الداعمة لإخوان الصومال.

–  إن الخلاف منحصر أكثر في المستويات القيادية العليا، وإن هناك صوتا وحدويا خفيا نابعا من القاعدة العريضة في جميع أماكن تواجد الإخوان بمنطقة القرن الإفريقي، ويمثل ذلك أحد المبشرات التي يعول عليه الجيل الصاعد والخالي من حزازات وحسابات الكبار المعقَّدة.

– وجود الإخوان الدولي الذي يشكِّل سلطة نافذة وقادرة على جمْع كل المجموعات الإخوانية بالمنطقة على مائدة واحدة بين عشية وضحاها، ولاسيما بعد صدور قرار تجميد العضوية الذي ساوى بين الجميع؛ بحيث يمكن حاليا فرض استراتيجية جديدة لصالح الجماعة الأم، وذلك تحت إشراف قيادات عالمية من مكتب الإرشاد.

–  بروز قيادات وسطى جديدة في المهجر الأوربي والأمريكي بعقلية أكثر انفتاحا، ومن بينهم مفكر إخواني بارز يتمتع بتأثير كبير على القاعدة في الداخل والخارج عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو أحد الخيارات التي يعوَّل عليها؛ وإن كان يميل – على ما أعتقد – إلى فك الارتباط بين الجماعة والإخوان الدولي لاعتبارات إقليمية، وأخرى ذات صلة بالأزمة التي تمر بها الجماعة الأم في مصر.

هل نحن بصدد ترقُّب لاعبين جدد من القيادات الوسطى لضخ روح جديدة في الجماعة وإعادتها إلى سابق عهدها، وذلك بعد الترهل القيادي والتنظيمي الذي لازم الحركة أثناء فترة الانقسامات الأخيرة؟

تساؤلات:
استنادا إلى رؤى كوادر قيادية من الجماعة فإن مصير حركة الإخوان في الصومال مرتبط بما يستجد في ساحة الإخوان الدولي، وبمدى استلهام الموروث الإخواني الأصيل الذي يتمتع بمقومات البقاء والاستمرار نحو آفاق جديدة بعد الأزمات والمحن، وذلك من خلال التفاعل العملي مع تجارب وتضحيات الإخوان في أنحاء العالم؛ مع الحرص على سبل استجلاب التوفيق الإلهي الذي يغير الموازين. أما فيما يخص بإصلاح الواقع المحلي فالمسألة بحاجة إلى شيء من النضج التربوي وقراءة صحيحة للواقع العام والخاص بهدف الخروج بنتيجة ترقى إلى مستوى التحديات على كافة الأصعدة. 

ومن بين التساؤلات المطروحة في هذا الصدد، إلى متى سيبقى الواقع الإخواني المحلي في حالة من الجمود والانقسام غير المبرَّر في ظل تسارع وتيرة التغيرات المحلية والإقليمية لصالح الأطراف المعادية للإسلام السياسي في المنطقة؟ وهل نحن بصدد ترقُّب لاعبين جدد من القيادات الوسطى لضخ روح جديدة في الجماعة وإعادتها إلى سابق عهدها الذي تحنُّ إليه نفوس كثير من أبنائها، وذلك بعد الترهل القيادي والتنظيمي الذي لازم الحركة أثناء فترة الانقسامات الأخيرة؟ ولصالح مَن.. انهيار حركة الإصلاح في الصومال، وتلاشي جهود وتجارب ممتدة لأكثر من أربعة عقود مضت؟

وفي الحلقة القادمة سنتحدث -إن شاء الله- عن التساؤلات المثارة حول التجربة السياسية لحركة الإصلاح، وحضورها البرلماني غير المتماسك، وقصورها عن دورها المفترَض في توحيد البرلمانيين الإسلاميين بمختلف توجهاتهم تحت كتلة واحدة، إلى جانب ريادتها السياسية المنقوصة بما تعانيه داخليا من تشتت وتفرق وتآكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الحركة الإسلامية بمنطقة القرن الإفريقي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.