شعار قسم مدونات

جبارين ولن نهزم

blogs - لمرابطات حول القدس
كنت أتابع بغيظ اقتحام المسجد الأقصى المبارك، على مدار ثلاثة أيام متتالية نهاية الأسبوع الماضي؛ الثلاثاء والأربعاء والخميس، لكن ما استرعى انتباهي، هو صورة وصلتني عبر أحد الأصدقاء، تظهر فيها ثلاث إسرائيليات، ينتمين إلى منظمة متطرفة تدعى "نساء من أجل الهيكل"، التقطن صورة داخل المسجد الأقصى، من جهة باب الرحمة، وليست الغرابة في الاقتحام النسائي، أو في التقاط صورة في الساحات الشريفة، وإنما في دلالات المشهد، فالأجواء بدت مريحة جدا، فلم نر من يتصدى لهن، سيما من النساء، ولم يكن لصوص التاريخ لينعموا بهذه الراحة، لولا إبعاد المرابطات عن المسجد الأقصى. 

لقد رأينا كيف استرجل المتطرفون، لما استنوق كثير من حكام أمتنا، وظنوا أنه يجوز للفأر أن يزأر، ويزعم لنفسه صولة الأسد، وغاب عنهم أن العرين محمي بمعية الله، يقيض له نساء، صوت إحداهن في معركة رد المعتدين عن أولى القبلتين بألف فارس، يعتبرن الدفاع عن الأقصى دفاع عن صاحب معجزة الإسراء والمعراج، فكانت أسوتهن نسيبة بنت كعب، تدافع أم عمارة عن رسول الله ﷺ يوم أحد، فتقدم برهان الحب الصادق للرسول، دما طاهرا زكيا يشهد لها ولولدها، ولا تأبه لذلك، فعينها وقلبها على رسول الله، ويقدم نساء الأقصى البرهان ذاته، ولكن لمسرى رسول الله، وهن على يقين، أن الأجر موصول بالدفاع عن النبي الكريم، فلا يعرن اهتماما لتضييق أو اعتقال مع الزوج والأولاد، مادام في ذات الإله سبحانه.

عملية القدس فضحت خيبة الاحتلال الإسرائيلي، الذي فشل بجدارة، على الصعيد السياسي والأمني، سياسيا: تؤكد فشل سياسة الاحتواء أو الأسرلة للداخل الفلسطيني، فاليوم تنتفض مدينة أم النور، دفاعا عن أقدس مقدسات المسلمين في فلسطين.

كتبت هذه الكلمات يوم الخميس، فلما طلع يوم الجمعة، وقع عليهم الموت وبطل ما كانوا يمكرون، لقد أسقط الباطل، وعلا الحق وزمجر، وعادت كلمتهم في الأقصى هي السفلى، فثلاثة جبارين، ينتسبون إلى النبي محمد ﷺ اسما ومنهجا وحمية، يثأرون للإسلام والعروبة، فيطهرون المسجد مما علق به من نجاسة المتطرفين، فيفرح بهم ويضمهم بين جنباته، وينتشق المسجد الطهور أرج الدم الزكي، فيحوزون خير شهادة، شهادة في الساحات الشريفة، وهم يدفعون أخس قوم، فهذه هي الروح التي عهدنا على شعبنا، وهذا هو برهان الحب الصادق، الروح والدم، من أجل القدس، والدم وحده من يعيد القطار إلى السكة الصحيحة، فيذكر كل شبر في الوطن، أن المعركة الحقيقية هي معركة الأقصى، وأن التضيق والحرمان والإرهاب الإسرائيلي، لا يمكن أن يحرف القلوب عن معشوقها.

وليسمح لي القارئ أن أستعين بمعاجم اللغة وكتب التفسير؛ لنقرأ الصورة قراءة دقيقة، ونحدد بناء على ذلك، من الذي سيجبر الآخر للانصياع لمنهجه. "جبارين" كما في لسان العرب وتاج العروس، تعني الطول والقوة والعِظَمَ، والجبار من البشر: هو الذي يَجْبُر الناس على ما يريد إكراههم عليه، ومنه جَبْرُ العظم، لأنه كالإكراه على الصلاح، كما جاء في النكت والعيون للماوردي، أما في الثمر، فإن الجبارة كما يقول الشيخ الشعراوي في تفسيره، هي النخلة التي لا تنالها يد الإنسان إذا أراد أن يجني ثمارها؛ لذلك أخذ هذا المعنى ليعبر عن الذي لا يقهر فسمي جباراً.

وعليه فإن السياسات الإسرائيلية العنصرية، ضد الشعب الفلسطيني في الداخل الفلسطيني، والقدس والضفة المحتلة، وقطاع غزة، لن تنال من إرادة الصمود والمقاومة، فقد أثبت أبطال أم النور للعالم كله، أن البهتان لا قبل له بالحقيقة، والمادة لن تعلو على الروح، والرذيلة تمحوها الفضيلة، والهمجية تسقط أمام الإنسانية.

إن عملية القدس فضحت خيبة الاحتلال الإسرائيلي، الذي فشل بجدارة، على الصعيد السياسي والأمني، سياسيا: تؤكد فشل سياسة الاحتواء أو الأسرلة للداخل الفلسطيني، فاليوم تنتفض مدينة أم النور، دفاعا عن أقدس مقدسات المسلمين في فلسطين، وليس مستبعدا أن تتلوها غيرها من المدن الفلسطينية، أمنيا: هذه العملية هي الأولى التي تشهد اشتباكا مسلحا داخل المسجد الأقصى، سيما في يوم الجمعة، وهذا فشل أمني خطير، في المنطقة التي يعتبرها التاريخ الإسرائيلي المزور أقدس مقدسات اليهود.

جبارين وأم النور فعلوا الواجب، أما واجب الجميع في الساحة الفلسطينية والعربية والإسلامية، على الصعيد الشعبي والفصائلي، والمؤسسات العاملة للقدس، والدول التي أدانت العنجهية الإسرائيلية، ألا يقبلوا بجرائم العدو ضد القدس والأقصى.

ستتم إعادة المسجد الأقصى، بعد أن حقق الاحتلال الإسرائيلي هدفين من إغلاقه، الأول: تفتيش وتخريب محتوياته، ومصادرة مفاتيح أبوابه، وفرض احتلال جديد للمسجد، وهو ما يعني شروطا مشددة على الدخول والخروج، والتحكم في أخص خصوصياته، من خلال البوابات الالكترونية، وكاميرات المراقبة، أما الهدف الثاني، وهو الأهم، فقد تأكد للحكومة الإسرائيلية نجاح المساعي الأمريكية، مع الدول العربية والإسلامية، ففُضحوا بصمتهم، إلا قليلا منهم.

إنني أستغرب كيف تستطيب الأمة إقامة الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، والمسجد الثالث في الإسلام يعيش في ظلمة الاحتلال، ويمر عليه اليوم والاثنان ولا يرفع فيه أذان؟ وأين صوتهم الذي شيطن المقاومة الفلسطينية، ثم لا تحس منهم من أحد ولا تسمع لهم ركزا، حينما يتعلق الأمر بإرهاب الاحتلال الإسرائيلي ضد قبلة المسلمين الأولى؟

جبارين وأم النور فعلوا الواجب، أما واجب الجميع الآن في الساحة الفلسطينية والعربية والإسلامية، على الصعيد الشعبي والفصائلي، والمؤسسات العاملة للقدس، والدول التي أدانت العنجهية الإسرائيلية، ألا يقبلوا بجرائم العدو ضد القدس والأقصى، وألا يخذلوا شهداء القدس ومرابطيها، وألا يسكتوا عن تحريض الإعلام الإسرائيلي، ضد الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، ورئيسها الشيخ رائد صلاح؛ لأنه حينها لن يصيب الشر والبلاء أولئك المتخاذلين والمقصرين فقط، (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال:25).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.