خواطر كانت البداية… بداية الوعي بمدى الجهل والتخلف والتراجع من جهة، ومدى التطور والتقدم والانطلاق من جهة أخرى.. عرفت أن من عاش في الظلام لا يعلم أن غيره يعيش في النور.. حتي الأفلام المحلية لا تظهر شيئاً مما وصل إليه الغرب! وكأن الأمر متعمد.. أقولها لك بصدق، قبل الثالثة عشر (أي قبل متابعتي لخواطر) لم أكن أعلم شيئاً عن الغرب سوى أنهم مجتمع غير أخلاقي نساؤهم عرايا!
أدركت أن الثورة إياها ليست ثورة فكرية هدفها الارتقاء بالفكر والسمو بالمجتمع وتحقيق الفائدة وإنما هي ثورة على الدين! فالدين-بالنسبة لهم- هو أصل كل المصائب وهو سبب التخلف والرجعية في مجتمعنا! |
اتخدت قراراً مع نفسي أن اثور على كل شيء، فالبداية كانت الأنطمة الحاكمة هي الضحية التي أصب عليها جام غضبي.. ولكن ما لبث أن توقفت عن ذلك -أو بالأحرى تم إيقافي- توقفت عن ذلك كما توقف قبلي بسبب الحرية. نعم، الحرية.. فالحكام عندنا شديدو الديمواقراطية، بإمكانك التعبير عن رأيك كما تشاء.. ليس ذلك فقط، بل إنك حتى لو انتقدتهم سيأخذونك في رحلة! نعم، رحلة إلى مناطق جميلة بعيدة عن السكان وعن الازدحام والضوضاء يسمونها (السجن!).
تقوقعت كما تقوقع غيري وسرت بجانب الحائط! كانت مواقع التواصل الاجتماعي هي النافذة الوحيدة التي أستطيع فيها أن أعبر عن رأيي وغضبي وثورتي دون التعرض للخطر، بالحسابات الوهمية كثيرة والأسماء والعناوين غير صحيحة تساعدك في قول ما تشاء. بدأت أقترب أكثر وأكثر من أناس يشبهونني أو هكذا خيّل لي! قمت بالانضمام إلى مختلف المجموعات التي تدعو إلى الثورة.. وعن كثب كانت (الثورة الفكرية!) كانت تلك الصفحات كالتالي:
شاب يكتب: "بعد ستين عاماً من دعاء العرب على إسرائيل، أصبحت إسرائيل قمة في التقدم والعرب في المؤخرة.. سنتقدم حينما يخرج الناس من المسجد إلى المعامل والمصانع". وتجد 100 تعليق هم كالتالي:
أحسنت النشر، أجل أصبت، نعم معك حق، يظنون أن الدين هو من سيجعلهم ينتصرون، يا صديقي العرب مجرد حمقي على شكل بشر.. وهكذا.
وشاب آخر ينشر صورة لنجمة هوليوود آنجلينا جولي ويكتب "فرق كبير بين من يفعل الخير لإطفاء غضب ربه، وبين من يفعل الخير لإسعاد الناس"، يقولها وكأنه قد اطلع على ما في قلب الناس!
وآخر يكتب: "ما دامت المرأة في مجتمعنا مجبرة على تغطية نفسها بعباءة سوداء، فإننا لن نتقدم ولو بعد مائة عام!
الدين لا يطلب منك أن تظلم أخاك ثم تقول: ضاع العدل! والثورة يجب أن تكون على نفسك، على أفعالك، على أقوالك، على الجانب المتناقض منك.. حينها فقط تكون ثائراً حقاً. |
أدركت حينها أن الثورة إياها ليست ثورة فكرية هدفها الارتقاء بالفكر والسمو بالمجتمع وتحقيق الفائدة وإنما هي ثورة على الدين! فالدين-بالنسبة لهم- هو أصل كل المصائب وهو سبب التخلف والرجعية في مجتمعنا! فذلك الشاب الذي يجلس في بيته، مستلقياً على سريره، ممسكاً بهاتفه، يكتب منشوراً يهاجم فيه الدين يظن بذلك أنه أصبح متحرراً وأنه ليس مجرد تابع كما البقية، وأنه بهذا المنشور يساهم في الارتقاء بالمجتمع! لقد ترك هؤلاء التعليم المنحدر والاقتصاد المتهالك والسياسة الفاشلة والرشاوي والمحسوبية والوساطة والفساد والسرقة والتزوير ونسبوا كل المشاكل إلى الدين.
هل هؤلاء المسؤولون الكبار كالوزراء وألوية الجيش ورجال الأعمال ملتزمون بالدين! هل يحافظون على الصلاة والزكاة والقيام! هل كلهم يعرفون ويطبقون تعاليم دينهم وأحكامه! إذا كانت الإجابة لا فلماذا تتهم الدين؟! الدين براء من كل تلك الاتهامات الباطلة، الدين ليس سبباً في ضياع الناس، بل الناس هم السبب في ضياع الدين. الثورة فكرياً ليس معناها انتقاد الدين بل تطبيق الدين، هل يقول الدين أن عليك أن تلقي القمامة في الشارع ثم تبدي إعجابك بجمال الدول الأخرى وتنتقد سوء النظافة في بلدك؟! هل الدين يقول أن عليك أن تأخذ دور غيرك في الطابور ثم تبدي إعجابك بالنظام في الغرب؟! الدين لا يطلب منك أن تظلم أخاك ثم تقول: ضاع العدل! والثورة يجب أن تكون على نفسك، على أفعالك، على أقوالك، على الجانب المتناقض منك.. حينها فقط تكون ثائراً حقاً.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.