هذا هو السؤال الجوهري اليوم، والذي يمنّي الكثير منا ومن أهالي القطاع النفس في قدوم إجابته كما تطرحها التسريبات، حل مشكلة الرواتب، فتح المعابر على مدار الساعة، حل مشكلة الكهرباء نهائياً، وفعلياً إنهاء الحصار بالكامل، والاتفاق على قضايا الإدارة الداخلية كلها بما فيها الأمن وسلاح المقاومة والصلاحيات. كل هذا مقابل ماذا؟ مقابل عودة دحلان فقط إلى قطاع غزة.
إبرام اتفاق مع دحلان من أجل حل مشاكل القطاع هو صفقة استراتيجية وليست مسألة محدودة التأثير. سيكون دحلان وفياً لوعوده خلال الفترة الأولى لأنها الرسالة التي يريدها أن تصل لكل بيت فلسطيني بكونه رجل الخلاص وحلّال المشاكل. |
تكاد تكون العروض التي تسربت تشابه الخيال، لا من زاوية أنها مستحيلة، بل من زاوية أنها موجودة بمنتهى الواقعية بيد رجل يسوّق نفسه اليوم على أنه البديل لقيادة كل الشعب الفلسطيني، لكنه لن يعطيها لمليوني جائع ومحاصر ومريض وفقير إلا بمقابل شخصي. هنا تحديداً مربط الفرس، فما يريده دحلان والدول الإقليمية التي تقف خلفه وخلف مشروعه هو صناعة البديل الحتمي والمريح لمحمود عباس.
إن طرح محمد دحلان لنفسه كبديل لمحمود عباس في منصب الرئيس غير ممكن وطنياً من أبو ظبي أو أي جغرافيا خارج فلسطين. وبالتالي فإن الاستعجال وتقديم كل هذا السخاء مقابل دخوله غزة هو محاولة استباق لحظة الاستبدال التاريخية ليلتقطها وقدماه على تربة فلسطينية فتكون يداه أقرب للإمساك بها من مختلف الزوايا. المسألة الأخرى أن اتفاقاً مع حماس وترتيب العلاقة بين الطرفين هو أيضاً جزء هام جداً في عملية الحصول على شرعية المكان الذي يحلم به، ففتح وحدها غير قادرة على منح شرعية رجل المقاطعة كلياً، وحماس بكل أزماتها لا غنى عن كلمتها التي ستكون قد قِيلت بمجرد دخول دحلان للقطاع على أرضية مصالحة وطنية مع الحركة الأكبر في القطاع.
لقد رتب أبو فادي أوراقه جيداً وبذكاء فاق فيه مجلس العجزة الذي يحيط بأبي مازن، فقد استكمل الرجل موافقات الدعم الإقليمي من الرباعية العربية (الإمارات، السعودية، مصر، الأردن)، وتاريخه الأمني بطبيعة الحال يعطيه أفضلية لدى الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي الولايات المتحدة، ويبقى فقط تعبيد آخر 100 كيلو متر قبل وصوله إلى المقاطعة عبر قطاع غزة. غزة هي الخيار شبه الوحيد لدخول دحلان بانتظار التصفية النهائية، فهي من جانب منفصلة واقعياً عن الضفة الغربية التي لايمكن لدحلان دخولها في ظل الخلاف الفتحاوي القائم، ومن جانب آخر هي قاعدته الفتحاوية التي سيصنع منها حصان طروادة في رحلة المائة كيلو متر.
إن إبرام اتفاق مع دحلان من أجل حل مشاكل القطاع هو صفقة استراتيجية وليست مسألة محدودة التأثير. سيكون دحلان وفياً لوعوده خلال الفترة الأولى لأنها الرسالة التي يريدها أن تصل لكل بيت فلسطيني بكونه رجل الخلاص و"حلّال المشاكل"، وأن المائة كليو متر المتبقية هي رحلة الشعب الذي يريد الخلاص. لذلك علينا أن ندرك جيداً أن الاتفاق مع دحلان اليوم على حل مشاكل حصار غزة، هو اتفاق على المستقبل السياسي برمته للضفة الغربية وقطاع غزة وربما الخارج، وعلى الجميع أن يتخيل المشهد بعد قطع مسافة المائة كيلو وانتهاء الحاجة لقطاع غزة وأهله، واستنهاض ثارات الهزيمة التي بدأت في عام 2007 وانتهاء صولة الأمن الوقائي المذلة هناك.
السؤال المطروح اليوم هو سؤال الضمانات، ما هي ومن الضامن وكيف يضمن. طالما أن الطرفين دخلا في مفاوضات سواء مباشرة أو غير مباشرة، وطالما أن العروض السخية ليست موضع خلاف، فإن الضمانات هي العائق. |
ثم دعنا نتخيل المشهد سياسياً بعيداً عن اضطراب المخيلة الشخصية لأحداثٍ بعينها، ما الذي سيجمع خط حماس بخط دحلان حينها؟ لا بد أن هذه الأسئلة مطروحة ولا تنتظر كاتب هنا أو هناك كي يذكّر بها أهل الميدان ومن ذاقوا بأنفسهم ويلات الحدث السابق واللاحق في تلك البقعة. لكم من الواضح أن تعثر الاتفاق لم يعد على أرضية من هو دحلان وما تاريخه، فهذه قد تصبح من منسيات المصلحة لمليوني محاصر، خاصة أن الغالبية يتفقون على أن خط رام الله السياسي بقيادة عباس والأمني بقيادة ماجد فرج ليس أقل سوءاً بكثير من خط المخلّص.
ولذا فإن السؤال المطروح اليوم هو سؤال الضمانات، ما هي ومن الضامن وكيف يضمن. طالما أن الطرفين دخلا في مفاوضات سواء مباشرة أو غير مباشرة، وطالما أن العروض السخية ليست موضع خلاف، فإن الضمانات هي العائق. وإن كان الأمر كذلك فإن سؤال الشمولية الفلسطينية ينبغي أن ينهض ليقول كلمته بأي اتفاق متوقع مع دحلان، لا لكي يعترض عليه ويفشله وإنما ليناقشه من زاوية تأثيرات الاتفاق ما بعد المائة كيلو متر بين غزة ورام الله، ولكي يشترك في تحديد المصير الجمعي المستقبلي كمصير فلسطيني مشترك لكل الشعب في الداخل والخارج وليست قضية غزة التي تشاء الأقدار مرة أخرى أن تقف على فوهة مدفع الهم الفلسطيني وهي لذلك أهل كما كانت على الدوام.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.