شعار قسم مدونات

زمن الرداءة (1)

KIEV, UKRAINE - MAY 11: Joci Papai, the contestant from Hungary, performs during the second Eurovision semi-final on May 11, 2017 in Kiev, Ukraine. Ukraine is the 62nd host of the annual iteration of the international song contest. It is the longest running international TV song competition, held primarily among countries from Europe. Each participating country will perform an original song, votes cast by the other countries determine the winner. This year's winner Salvador Sobral from Portugal won with his love ballad 'Amar Pelos Dois'. (Photo by Brendan Hoffman/Getty Images)
بِسْم الله الرحمن الرحيم، ليس غاية هذا المكتوب أن ينفخ في كير اليأس والانبطاح الذي يعيشه الواقع العربي، فالنظرة المتفحصة المتأنية تلحظ أن رياح التمملل واليقظة تذب رويد رويدا في هذا الجسم المثخن بالجراح، جراح قرونية ضاربة في التاريخ منذ أن هز الانكسار التاريخي واقع الأمة، فاجتث من أرضها ركائز الحرية وأقصيت من حياتها الشورى الملزمة للحاكم قبل المحكوم فأصبحت إرثا يورثه (ولي الأمر) لمن شاء كيف شاء حتى وإن كان من سيأتي بعده لا يزال رضيعا في المهد.

ليست الغاية ذلك، فحركة التاريخ وسنة الله ماضية، لن تجد لها تبديلا، ولن تجد لها تغييرا، لكن إعمال ميزان فحص الذات أساسي بل مقدمة ملزمة لإبصار آفاق المستقبل. زمن الرداءة لا يمكن أن تجد في القاموس اللغوي أو السياسي أو الفني وجل القواميس غير هذه الصفة الجامعة المانعة.

إن من أجل معاني كلمة الرداءة في القاموس اللغوي: الفساد والوضاعة والخسة، هذه الثلاثة مجتمعة تعطينا نتاج إفراز المنظومة الكونية التي صارت مهيمنة متسربة في كل تفاصيل الحياة، فزمن الفيس والواتس هو زمن الطفرة وما فوق سرعة صدى الصوت. وللرداءة في زمنها صنوف وتجليات.

1-تهجين القيم

مناط تهجين القيم هو أن تصبح هذه الشعوب بعد "استحمارها" لها قابلية الاستعمار مسلوبة الإرادة لا تتقن إلا فن الخنوع والركوع تابعة للغالب ذيلا في ركابه.

عندما نقف مع مفهوم القيم نجد أنها هي مجموعة الصفات الأخلاقية، التي يتميز فيها البشر، وتقوم الحياة الاجتماعية عليها، على هذا السياج المنيع تتأسس ركائز المجتمعات وعلى فلسفتها وتصوراتها يتم نظم عقد المرجعيات المؤطرة لمفاصل السياسة العامة للدولة.

في زمن الرداءة يتم بكل الآليات تهجين هذه القيم إن لم نقل إتلافها، ذلك أن مناعة المجتمعات وخاصة العربية والإسلامية منها عقبة كؤود أمام منظومة الغاب الذي يؤسس لها الاستكبار العالمي، وما رفع شعارات احترام الحرية الشخصية ومقاربة النوع وكثير من مثل هذه الشعارات البراقة ماهي إلا حق يراد به باطل مرماها الأساس خلط الأوراق وتسويق الوهم بينما المرمى الأساس هو أن تصبح القيم منخورة، لا طعم لها ولا لون.

ممارسة للقتل البطيء وفق رؤية استراتيجية، ذلك هو تهجين القيم، نشر الرذيلة والرداءة واعتبارها هي منتهى العصرنة، تجميل القبح وإشاعة كل المظاهر المحطة من قدر الآدمي، مسخ للظاهر والباطن ،السير بلا وجهة ولا قصد، هي السيدا التي تتمدد في جسد المجتمع وبذلك يصبح فاقدا للمناعة قابلا للاختراق ،لأن الهدف هو أن انتقال من حالة النباهة إلى الاستحمار.

إنهم ينادون بالحرية ويدعونك لها من أجل تمويه الأذهان والغفلة عن النباهة الاجتماعية، حيث يرى الإنسان نفسه حرا من الناحية الفردية في غذائه وشهواته، كقفص فيه طير، وقد وضع في صالة مغلقة تماما، ثم فتح باب القفص. إنه شعور كاذب بالحرية ،لأن الأسير الذي يعلم أنه مأسور يحاول أن يطلق نفسه ويتحرر من الأسر، بينما الذي لا يشعر أنه أسير ويشعر بالحرية فشعوره وهم وكذب (علي شريعتي). مناط تهجين القيم هو أن تصبح هذه الشعوب بعد "استحمارها" لها قابلية الاستعمار مسلوبة الإرادة لا تتقن إلا فن الخنوع والركوع تابعة للغالب ذيلا في ركابه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.