شعار قسم مدونات

آخر صرعات جويل

مدونات - تجميل

لمن لم يسعفه الوقت لمشاهدة إحدى حلقات برنامج جويل الذي يُعرض على قناة (MBC) دعوني أعطيكم نبذة مختصرة عنه، برنامجٌ متخصص في تغيير خلقِ الله عن طريق سلسلة ممتدة من العمليات التجميلية المبالغ فيها، يشترك فيه النساء والرجال على حدٍّ سواء! وفكرته تشبه الكثير من الأفكار العالمية لبرامج التجميل وخفاياه، لستُ متابعة وفية له ولكن بين الفينة والأخرى ينتابني الفضول لمشاهدته لأرى إلى أي مدى تطورت العمليات التجميلية فيه ولأشاهد المشترك أو المشتركة (قبل) و(بعد)، وأراقبه عن كثبٍ وهل تغير لهذا الحد..؟!
 

لفتت نظري الحلقة التي شاهدتها قبل أيام، فلقد اعتدتُ على رؤية المشتركين بالبرنامج يتعرضون للإبر العجيبة من البوتكس والسليكون والفيلر التي تُحقن في مناطق مختلفة في وجوههم وأجسادهم ليصبحوا أشبه بالدمى بدون أي ملامح تدل على هويتهم الإنسانية، لكن في هذه الحلقة التي تابعتها طلبت مشتركة أجنبية خمسينية العمر من جويل أن تقدم لها وجهاً منحوتاً نضراً مشعاً أصغر سناً دون اللجوء للبوتكس وغيره لتظهر بصورةٍ طبيعية، إذ تعاني بشرتها من ترهلات نتيجة التقدم بالعمر، فكان الحل الأمثل لها حسب رأي الطبيب التجميلي الذي يعمل في العيادة التابعة لصالون جويل أن يتم شد بشرة الوجه عن طريق عملية صعبة يتم فيها تمزيق حدود الوجه بالمشرط ثم شد الجلد المترهل وحياكته بقوة لتختفي الترهلات، واستخدام الليزر فيما بعد لإخفاء آثار الخياطة..
 

من يشاهد برنامج جويل تعبر في ذاكرته صور نساء ورجال الحروب الذين خسروا جمالهم وبريقهم وأجسادهم في معارك دموية لا ذنب لهم فيها، من تشوّهت أرواحهم قبل لحومهم وقصصهم المأساوية دموع العين ترويها، هؤلاء من يعيد لهم نضارة بشرتهم المنكوبة؟

ولكم أن تتخيلوا كمية الرعب والدهشة التي تملكتني وأنا أتابع العملية المخيفة! أول ما خطر في بالي وأنا أشاهد الطبيب وأعوانه يشرطون جلد وجه المشتركة لتتبعثر الدماء بصورة مخيفة الفيلم الأجنبي المعروف (face off) أي الوجه المخلوع! حيث تحدّث هذا الفيلم الرائع عن مطاردة ضخمة وطويلة من الآف بي آي بقيادة شون آرتشر (ترافولتا) للقبض على كاستور تروي (كيج) قائد عصابة خطير، إذ تنتهي المطاردة بإصابة زعيم العصابة إصابة قوية تتسبب في غيبوبته، فبعدها علم الإف بي آي أن زعيم العصابة قد زرع قنبلة في المدينة وستنفجر في يوم محدد، فيقوم فريقه العبقري بطريقة طبية بخلع وجه زعيم العصابة وزرعه في عميل الإف بي آي، والعكس، لكي يدخل العميل السجن ويحاول أن يعرف عن القنبلة من خلال أتباع زعيم العصابة، كنا نشاهد هذا الفيلم معتقدين أنه خيال في خيال، وأن تنفيذ مثل هذه العمليات أمرٌ مُحال، ولكن يبدو أنه في عالم التجميل اليوم بات كل شيء ممكناً!
 

لا أعلم ما الذي يدفع المرء في أن يعرّض نفسه لمشرط الطبيب والتخدير ليتذوق أقسى أشكال الوجع والألم في سبيل الوصول إلى الكمال والمثالية الزائفة، لٍم نخشى على أجسادنا من الهرم وتظل أنفسنا من فكرة التقدم بالسن خائفة؟! من يشاهد برنامج جويل تعبر في ذاكرته صور نساء ورجال الحروب الذين خسروا جمالهم وبريقهم وأجسادهم في معارك دموية لا ذنب لهم فيها، من تشوّهت أرواحهم قبل لحومهم وقصصهم المأساوية دموع العين ترويها، هؤلاء من يعيد لهم نضارة بشرتهم المنكوبة؟ من يزرع لهم أطرافهم وأعضاءهم المسلوبة؟ من يزيل تجاعيد وأهوال الحروب من ذاكرتهم التي أصابتها الشيخوخة باكراً؟ من يمنحهم الأمل من يعطهم حلاًّ ساحراً..؟!
 

نصيحتي لكِ جويل ولفريقك المحترف من الأطباء التجميليين أن تحزموا أمتعتكم وتنطلقوا في حملةٍ إنسانية طبيةٍ تجميلية لبلادنا العربية التي أنهكتها الصراعات والحروب، اذهبوا وشاهدوا معاناة أبناء أمتكم اعرضوا خبراتكم وفنونكم الخلاّقة على الشعوب، زوروا امرأة كانت قبل الحرب جميلةً حسناء، فأحرقتها نيران المتفجرات والصواريخ وطمست معالم وجهها الغنّاء، امنحوها وجهاً جديداً يرسم البسمة على شفاهها الحمراء، ساعدوا رجلاً فقد في الحربِ قدميه، ازرعوا له أطرافاً صناعية ليفرح ويترقرق الدمعُ في مقلتيه، ربتّوا على كتفِ طفلٍ من هَوْلِ مناظر الدماء اجتاح الشيب الشعرَ في رأسه، اصبغوا خصلات شعره بلونٍ ذهبي جميل تُعيد البهجة في نفسه..
 

عرجّوا على عجوزٍ كانت قوية لا تستندُ على أَحَدْ، فأقعدتها الحرب على كرسي متحرك وحيدةً لا ابنة لها ولا وَلَدْ، علّها بابتكاراتكم المحترفة تعود لتمشي سريعاً، وتنسى ويلات الحروب فكل ما شهدته كان مُرّاً مُريعاً، جملّوا وأسعدوا نفسيات من أصابتهم لرؤية أشلاء الجثث أمراضاً نفسية، تعاضدوا وتكاثفوا معهم واصنعوا المستحيل لأجلهم واشبعوهم من لمساتكم الأخوية، خففوا صدمتهم آنسوا وحشتهم وارفعوا لهم روحهم المعنوية، وتذكرّوا أنهم مفلسون لن يدفعوا لكم شيئاً مقابل خدماتكم التطوعية، أستفعلونها يا تُرى أم أننا بشرٌ تحكمنا الأنانية والمكاسب المادية..؟؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.