شعار قسم مدونات

يريد سلاماً.. ونحن كذلك

blogs ترمب في القمة
ما معنى أن تستمع لمجنون وهو يتحدث فما علىيك إلا تصديق ما يقول مع أنك مُدركاً حق الإدراك بأنه فاقدا لكل مبادئ الصدق، فلا يعرف الرحمة ولا يتمنى الخير للآخرين، ما معنى أن نتبسم في وجهِ من أبكانا، نعزُ من ذلّنا ونرفع من قيمة من أسقطنا لسابع أرض، نحبه حب الابن لأمه رغم درايتنا بما يحملهُ لنا في قلبه من كره أيضاً، ما معنى أن نتحدث عن الأمن والسلام ونحن تحت مدافع القصف التي دمرت أحلام الصغير في غرفته، وهدمت مضافة الكبير الذي كان فيها يُكرم ضيوفه، وأغرقت عيون الأم بدمعِ فراق أرضها بل ابنها بل زوجها بل بكت كلما رأت تلك الدُمية وحيدة دونما صاحبها.

ما معنى أن نحلم برجوع أوطان نعتقدُ أننا فيها ما زلنا على قيد الحياة، سيما وأن الوطن لا يموت ولا يُفنى بل نحن الذي مُتنا فيه، ولو أننا ما زلنا فوق ترابه نتفس هواءً ملوثا بدخان مدافع الحرب تحت سماء تُغطيها طائرات الغريب، وفوق تُراب تغرقه دماءُ الشيب والشباب الأطفال والنساء، حتى مخلوق الحيوان فيه لم يسلم من كلِ ما يحصل، فإن لم تكن نهايته كنهاية رفيقه الذي كان يقدم لهه الرعاية مات قهرا عليه.

حتى يتحقق السلام؛ لا بد لكم من أن تكونوا صادقين فيما تنوون فعله بهذه الأرض التي أغرقتموها وهذه الأمة التي أضعتموها لتتلاقوا ومصالحكم فيها، كيف يتحقق ما تريده وأنتم من دعم الاحتلال على حساب الأرض المُحتلة.

اندهشت مما جاء على لسان الرئيس الأميركي وهو في الرياض لحضور قمة عربية إسلامية من وجهة نظري أنها لا تخصهُ في شيء إلا من ناحية واحدة، وهي العسكرية، سيما وأنه سيتمخض عن هذه القمة الاسلامية قرارات بشأن تكثيف الجهود الدولية لملاحقة الإرهاب ومحاربته بواسطة التحالفات التي اُنشأت فيما سبق من سنوات لهذه المهمة التي لم ولن تنتهي ما دامت النوايا لا يكمنها الصدق، سيما أيضا وأننا نرى دولاً عُظمى تتحالف على مكافحة ذلك السرطان وليس بمقدروها لغاية هذه اللحظة استئصاله مما يدّعنُا نتساءل ما هي الحلول التي تُخرج المنطقة مما هي فيه، فيقول ترمب أنه يُريد سلاماً ويُبدي استعداده لتعاون عسكري مكثف لقمع الإرهاب الذي مضى على زرعه سنوات وتجذرت شروشه في بواطن الأرض العربية.

من منا لا ُيريد سلاماً عادلاً يعمُ أرض العالم أجمع ليُضفي بضلالهِ على المنطقة، مَن من عربي لا يتمنى ذلك، فلم نعد لنحتمل حروباً ونزاعات استوطنت الأرض، فأينما تتجه تجد آلآما وآهات وقتل وتشريد ونزوح حتى بلاد السلام أصبح أهلها يهاجرون منها إلى الموت بسبب الجوع والفقر والذُل وعدم وجود عدل وتفشي الظلم، كلُ عربي أصبح جريحا إن لم يكن برصاصة بندقية فهو جريح الحاجة مُصاب بمرض القل والعوز.

ولكن حتى يتحقق لنا السلام؛ لا بد لكم من أن تكونوا صادقين فيما تقولون وما تنوون فعله بهذه الأرض التي أغرقتموها وهذه الأمة التي أضعتموها لتتلاقوا ومصالحكم فيها، كيف يتحقق ما تريده وأنتم من دعم الاحتلال على حساب الأرض المُحتلة، هذه التي إذا ما وجدت لها الحلول العادلة، فإن لا شيء سيتغير وسيسوء الحال عما هو عليه.

السلام الذي نُريده نحن غير السلام الذي تفكرون فيه وتريدونه أنتم، فإن كنتم تريدون لنا سلاماً حقيقيا فاتركونا نحن من يبحث عنه وسنجده.

ونحن نُدرك تماماً أن السياسة الأميركية منذ الأزل وهي الداعم الرئيس لكل ما تريده إسرائيل لتحقق أهدافها في فرض هيمنتها من خلال الوقوف لجانبها ومنحها حق التصرف بما تشاء، والتضييق علينا نحن كعرب كلما أراد الواحد منّا أن يُضيق عليها، والدليل على أنك تقف صفاً مع إسرائيل ذهابُك بعد حضور القمة الإسلامية لها للقاء رئيسها ريلفين، فقل لي عن أي سلام تتحدث وما السلام الذي تريد.

السلام أن تعود فلسطين لأحضان العرب وأن يُقضى على الإرهاب في أرض العراق وليبيا واليمن، وأن تخرج القوات الروسية والتركية وقواتكم الأميركية من الأرض السورية، وأن يجتمع العرب دونكم ويتفقوا على حل قضاياهم بمفردهم. ودون اللجوء لمساعداتكم وطائراتكم وأسلحتكم وقنابلكم، أن يكون القرار العربي حراً نابعا من قلب عربي يخاف حقا على هذه الأرض، وأن يتخلى العرب عنكم في البحث عن الحلول الشافية لمرض الأمة، وأن لا نشربُ العلاج التي تصنعهُ آياديكم فقد يكون السمّ فيه.

السلام الذي نُريده نحن غير السلام الذي تفكرون فيه وتريدونه أنتم، فإن كنتم تريدون لنا سلاماً حقيقيا فاتركونا نحن من يبحث عنه وسنجده.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.