شعار قسم مدونات

لماذا تبخرت الأحزاب اليمنية؟

blogs - Yemeni flag
عاش المجتمع اليمني لقرون عديدة وهو لا يعرف مفهوم الطائفية وكان المذهب الزيدي هو المسيطر على أجزاء محددة في شمال اليمن. بينما كان المذهب الشافعي يتمركز في المناطق الوسطى والجنوبية والغربية والشرقية. لكن، في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين انتشرت الطائفية، والحقد، والمناكفات السياسية في أوساط المجتمع اليمني.

فمنذُ إعلان الوحدة اليمنية عام 1990م وفتح قانون الأحزاب اليمنية، أصبحت كل فئة تنحاز إلى طرف معين وبدأت بتشكيل الأحزاب اليمنية على أسس مذهبية وقبلية. على سبيل المثال، تشكل حزب التجمع اليمني للإصلاح كحزب سياسي مدني. وكان هناك بعض الأحزاب السياسية التي تأسست في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كالحزب الاشتراكي اليمني، والذي كان هو الحاكم الفعلي في جنوب اليمن.

أصبح أبناء الجنوب اليمني ضحية لحركات عنصرية انفصالية مسنودة بأنظمة إقليمية لا تراعي إلا مصالحها الاقتصادية ولو على حساب المواطن اليمني المقهور، والقيم والمبادئ العربية النبيلة.

وكان في الشمال أحزاب عريقة مثل حزب التنظيم الوحدوي الناصري، وحزب البعث العربي الاشتراكي – قطر اليمن. إلا أنّه وبعد تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام في الثمانينيات والذي سيطر على الساحة اليمنية حتى العام 2011 فقد أنّضم عدد كبير من أعضاء الحزب الناصري وحزب البعث العربي إلى المؤتمر الشعبي العام، وأصبحوا أعضاء بارزين في هذا الحزب.

وهناك أحزاب تأسست بعد تحقيق الوحدة اليمنية على أساس طائفي كحزب الحق اليمني، وحزب اتحاد القوى الشعبية، فهذه الأحزاب كان قادتها ينتمون لمذهب محدد. وفي العام 2012 تشكل حزب الرشاد اليمني والذي يترأسه شخصية دينية معروفة تنتمي للتيار السلفي. بالإضافة إلى بعض الأحزاب السياسية الصغيرة الأُخرى، والتي ليس لها دور في الحياة السياسية اليمنية.

لكن، الحقيقة المرة، هو أنّ الطائفية المتمثلة بفكر سلالي، مذهبي، عصبوي، متشدد، والطبقة التقليدية المتمثلة بشيوخ القبائل كانا هما المُسيطران على الأحزاب اليمنية. وللأسف أغلب الأحزاب اليمنية لم تتشكل على أسس مدنية بحتة، بل على أسس عقائدية، وأيديولوجية، وقبلية. فنجد أنّ قيادات المؤتمر الشعبي العام كلها قبلية باستثناء بعض القيادات المدنية، وبالتالي من السهل اختراق مثل هذا الحزب، وهو ما رأيناه مؤخرا كيف تم اختراقه من قبل مليشيات مؤدلجة طائفيا.

كما أنّ حزب الإصلاح تشكل من التيار الديني والقبلي وينتمي لهذا الحزب قطاع كبير من قبائل اليمن، والطلاب، والقطاعات المدنية الأخرى، إلا أنّ التيار القبلي كان المسيطر على هذا الحزب إلى وقت قريب، لكن تظل فكرته رائدة في مجال العمل السياسي، فهو حزب من وجهة نظرنا، يؤمن بالتعددية السياسية، وله مواقف مشرفة في هذا المجال، وإن كانت له بعض الأخطاء. ولذلك، كان حزب الإصلاح والمؤتمر هُما من يَتصدرا المشهد اليمني بشقيه القبلي والمدني، بل والعسكري.
 

أمّا بعض الأحزاب الأخرى فقد انعزلت واكتفت بمن ينتمون لمذهبهم وهذه الأحزاب كانت صغيرة ولا تزال صغيرة، وكانت تعمل بسرية تامة وكانت تؤمن إيمانا قاطعا بأنّ القيادة في شمال اليمن انتزعت منها بالقوة إبان الثورة الشعبية اليمنية في ال26 من سبتمبر ايلول1962، وبالتالي لا يمكن أن تسترجع قيادة الشعب اليمني إلا بالقوة وليس بالانتخابات، ولا زالت هذه الأحزاب لا تؤمن بالحزبية والتعددية السياسية حتى اللحظة. لقد تحولت هذه الأحزاب الصغيرة إلى مليشيات مسلحة وقوضت الدولة اليمنية، ودمرت السلم الأهلي اليمني.
 

منذُ إعلان الوحدة اليمنية عام 1990م وفتح قانون الأحزاب اليمنية، أصبحت كل فئة تنحاز إلى طرف معين وبدأت بتشكيل الأحزاب اليمنية على أسس مذهبية وقبلية.

للأسف لم تسعى الأحزاب اليمنية السياسية لبناء دولة النظام والقانون. بل كان هناك عصابة كبيرة لها ايديولوجيات مختلفة ولا تجمعها مصلحة اليمن، بل مصالح شخصية. كما أن الساحة الوطنية اليمنية لم تكن مؤهلة للقبول بالتعددية السياسية والحزبية، نتيجة للتركيبة الاجتماعية اليمنية المعقدة. أيضا، هذه الأحزاب لم تترك فرصة للشباب كي يمسكوا بزمام الأمور ويحدثوا نقلة نوعية في مجال العمل السياسي ونشر ثقافة الرأي والرأي الآخر.

بل ظلت هذه الأحزاب حبيسة لعقول قبلية متحجرة، لا تعرف من الديمقراطية سوى الاسم. ولذلك، تبخرت هذه الأحزاب وتفككت، وأصبحت أغلبها تُدار بعصابات طائفية بعد أن دوخوا بعقولنا وشغلونا بالديمقراطية لعقدين من الزمن. وفجأة يكتشف الشعب اليمني أن تلك العصابات التي كانت تدير الدولة اليمنية، لم تكن تحمل مشروع دولة، بل مشروع طغمة فاسدة. بعد ثورة العام 2011، والتي كانت ثورة سلمية، شبابية خالصة، بدأت الشخصيات المتنفذة في الدولة اليمنية السابقة تركب الموجة وتحاول أن تفسد ثورة الشباب، وبالفعل أفسدتها، لكنها لم تقضي عليها. هذه القيادات معروفة، وقد أصبحت في الآونة الأخيرة قيادات بارزة في انقلاب الحوثي وصالح المشؤوم.
 

لم نكن نتوقع أن حزبا سياسيا يمنيا كبيرا حكم اليمن لعقود من الزمن يتحالف مع مليشيات مسلحة لا تؤمن إلا بلغة الغدر، والخيانة، والحقد المذهبي والسلالي البغيض. وهناك أحزاب يسارية كانت تدعي فكر الحداثة، والليبرالية، وغيرها تبخرت وأصبحت تُدار بعصابات طائفية وعنصرية.
 

ونتيجة لفشل الأحزاب السياسية اليمنية في بناء دولة القانون، والنظام، والحكم الرشيد، والعدالة الاجتماعية، فمن الطبيعي أن نرى الصور المأسأوية والسيناريوهات المحزنة التي تحدث اليوم في هذا البلد العربي العزيز. أصبح المجتمع اليمني في شمال اليمن اليوم فريسة، وضحية لمليشيات طائفية دموية يدعمها دعاة الديمقراطية بالأمس. لا تؤمن هذه الجماعة إلا بمن يؤيد فكرها الديني والأيديولوجي.

لم نكن نتوقع أن حزبا سياسيا يمنيا كبيرا حكم اليمن لعقود من الزمن يتحالف مع مليشيات مسلحة لا تؤمن إلا بلغة الغدر، والخيانة، والحقد المذهبي والسلالي البغيض.

لكن، يرفض الشعب اليمني هذه الجماعة وفكرها، ونهجها، وسياستها المدمرة. تحاول هذه الجماعة إذلال الناس في شمال اليمن. تنفذ أجندات إقليمية مشبوهة ضد المجتمع اليمني. ينبغي على قيادة هذه العصابة أن تأخذ في الحسبان أنّ أصحاب المشاريع الطائفية، لن ينتصروا في نهاية المطاف مهما بلغ جبروتهم وغطرستهم ضد الشعب اليمني المغلوب على أمره في هذه اللحظة التاريخية الحساسة من تاريخه الحديث.

كما أصبح أبناء الجنوب اليمني ضحية لحركات عنصرية انفصالية مسنودة بأنظمة إقليمية لا تراعي إلا مصالحها الاقتصادية ولو على حساب المواطن اليمني المقهور، والقيم والمبادئ العربية النبيلة. إنها قمة المأساة! نؤمن بأن ما يحصل اليوم هو نتيجة للسياسات الخاطئة التي انتهجتها الأحزاب اليمنية، وعلى رأسها الحزب الحاكم سابقا. لكن، سيستعيد اليمن عافيته وسيبني ما دمرته الحرب وستذهب عصابات الفيد، والإجرام، الطائفية، والعنصرية، والانفصالية وسيبقى اليمن الكبير الذي نحلم به.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.