شعار قسم مدونات

أن تعشق وهمًا

blogs الحب

عن العشق سألوني.. قلت لهم إنني لم أعش هذه الحالة، ولا أحبذ الكلام بما لا أعرفه جيدًا.. ولكن ما إن رجعت إلى بيتي وانفردت بذاتي.. حتى قلت لنفسي: لِمَ لم أعشق حتى اللحظة؟ ما الذي يصدني؟ حسنًا.. قررت أن أعيش قصة حب وهمية خيالية.. كيف؟ بكل بساطة.. أرسم صورة لفتاة في عقلي.. وأراها في كل شخص أقابله وأحادثه، وذلك بتحويل الوجه في ذهني إلى وجهها ودبلجة الأحاديث إلى غزلٍ قبل أن تطرق مسامعي، وبذلك أعيش حالة من العشق دون الوقوع فيه؛ لأنني أعلمت عقلي بأن هذه الفتاة وهمية.

ذهبت إلى الجامعة وبدأت أعيش الحالة، قابلت العديد من الأشخاص، وكنت أفبرك ملامحهم وأدبلج أصواتهم.. أتاني فجأة ذلك الشعور الذي يفضي إلى البُعد عن الآخرين.. جلست وحدي أراجع تفاصيل لقاءاتي بها والأحاديث التي جرت بيننا.. نسيت أنها أحاديثي.. وقلت لنفسي: إنها تبادلني المشاعر.. فرِحت.. تعطشت للمزيد من اللقاءات.. نعم طمعت برؤيتها كثيرًا.. هرعت إلى حيث الناس، تحدثت مع الكثيرين.. بصورتها.. هذه الصورة الإلهية التي لم يخلق مثلها.. انتهى اليوم.. رجعت إلى بيتي.. حضّرت الغداء وأكلت بسرعة.. أنا متشوِّقٌ للانفراد بها والتفكير بكافة تفاصيل هذا اليوم.. استلقيت على السرير.. أغمضت عيناي.. وشرعت بالتفكير.. كنّا جالسين في مطعم فاخر ننتظر الطعام.. كانت لحظة رومانسية "فاخرة" أيضًا.. حتى أتاني ذلك النادل وجلس مكانها وكأنها لم تكن على الكرسي.. دنا منّي وهمس بصوتٍ شيطانيّ.. إنها وهم.

فتحت عيناي.. وجدتُ نفسي وحيدًا.. بدأت دموعي تذرف.. قلت لعقلي: ماذا يحدث لي؟ لقد أخبرتك منذ البداية بأنها علاقة وهمية. أجابني: قلبك.. قلبك ولست أنا. فأومأ قلبي مؤكدًا: القلب وما هوى، أنت لم تخبرني بأنها وهم. قلت له: ألهذه الدرجة أنت ضعيف.. تعشق وهمًا؟! أجابني: وأضعف وأضعف. لقد وقع في حبها.. حبٍ من طرف واحد.. يمكنني الآن أن أجيبكم عن هذا الحب.

سأخبرك بالفرق بيني وبينك لعلّي أهوّن عليك.. أنت الآن تعيش على أمل الغد.. أما أنا فأعيش على أمل اللقاء في الجنة.. أرأيت ما أصعبها؟.. أن تذرف دموعًا للا شيء.. أن تعشق وهمًا

هذا الحب يا من لا تعرفونه هو ما لا أنصحكم بالقرب منه؛ حياتك ستصبح أوهاما تسيّرك كيفما شاءت.. مثل "الأرجوحة" تلعب بها الرياح جيئة وذهابا.. ستختلي بقلبك وتبكي وتبكي؛ لتعبّر عن حبك لها، ستعتقد أن هذه الدموع ستصلها حتى وإن كانت لا تعرف بِحُبِكَ لها.. لكن أوهامك هي من تقنعك بذلك؛ حتى تجبرك على ذرف الدموع.. تريد أن تراك حزينًا عبوسًا مُحمرّ الوجه باكيًا.. ستنتظر وتتأمل أن تراها في أي زمان ومكان.. أتعلم؟ ستقضي وقتك في محاولة التعرف على تاريخها، حتى اسم جدتها ستصل إليه بفضولك عنها.. سترى نفسك بدأت تُجبَر على سماع ما تسمع ومشاهدة ما تشاهد وقراءة ما تقرأ.. ستنأى عن إسعاد ذاتك.. ستصبح أسير أوهامك.. صحيح نسيت أن أخبرك أن هذه الأوهام يقودها إبليسك.. صدقني أنا لا أبالغ.. فهذه كانت قصتي مع الفتاة الوهمية.. كيف لو كانت حقيقية كالتي لربما تفكر فيها الآن؟!

ولكنّي سأخبرك بالفرق بيني وبينك لعلّي أهوّن عليك.. أنت الآن تعيش على أمل الغد.. أما أنا فأعيش على أمل اللقاء في الجنة.. أرأيت ما أصعبها؟.. أن تذرف دموعًا للا شيء.. أن تعشق وهمًا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.