شعار قسم مدونات

علي أن أتعود

blogs - funeral
بطلي الصغير: كم تواتيك صفات البطولة والشهامة- ثلاثون يوما كاملة بساعاتها ، دقائقها وثوانيها مرت على فراقك وأنت في مرقدك… شهر من أصعب الشهور التي شهدتها سنين عمري، عشته متخبطة بين ألام فراقك الأبدي، حسرة الندم على كل لحظة لم أمضها بجوارك وحرقة رحيلك بدون وداع.

كيف ترحل في صمت وكل ركن في منزلنا يشهد أنك كنت صانع الضوضاء بامتياز وبدون منافس وسط مزيج الأحاسيس المتزاحمة وتفاصيل الحياة الجديدة التي خلت من نور ابتسامتك، عبق عطرك وكاريزما حضورك يقف التعود لي بالمرصاد ويهمس في أذني أنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، كيف لا وهو يأبى أن يترك يومياتي الرتيبة من دونك وشأنها حتى يتغلغل في كل تفصيل من تفاصيلها وأتعود على مشاهدها الجديدة… نعم أخي الصغير،

اللهم اشهد أن هذه الكلمات ليست سخطا على قدرك أو اعتراضا على حكمتك وإنما حبر الشوق واللهفة امتزج بأنين الفقدان ليخط هذه الكلمات على أول صفحة من كتاب حياتي الجديدة، حياة بدون أخي.

علي أن أتعود حتى أتمكن من سبر أغوار عمري المتبقي إلى آخر لحظة كتبها المولى عز وجل أن أحياها بدونك.

علي أن أتعود أن عائلتنا باتت متكونة من خمسة أشخاص بدل ستة.
علي أن أتعود أنه لم يعد عندي إلا أخ واحد بدل أخوين وبالتالي أصبحنا ثلاثة أشقاء عوض أربعة.
علي أن أتعود على منظر كرسيك الشاغر على طاولة الأكل وسريرك الذي اشتاق أن يضمك إليه كما كان يفعل في كل ليلة.
علي أن أتعود على صمت بيتنا وهدوئه لأنك كنت أنت راعي ضحكاته ومولد بطارية أفراحه.
علي أن أتعود أنني إذا أردت أن أشم بضعا من شذاك فان مقبرة "بوسقلول" هي العنوان.

و في الأخير علي أن أتعود، بل علينا كلنا أن نتعود أن نحسب مرحلة وجودنا بذكاء وأن نكف عن اللهاث والتشبث بدنيا لم يعدنا ربنا أنها دار فناء وبقاء حاش لله، فالقدوم إليها يقابله الرحيل منها والسعي فيها يقابله الحساب على ما سعينا… بعبارة أخرى علينا أن نتعود على أننا ضيوف مؤقتون بصدد إجراء جملة من الامتحانات لنعود بعدها إلى مسكننا الأصلي والأبدي…

حبيبي أسامة يبقى التعود على ما لا يهوى القلب أعتا ألوان التعود، فكيف إن تعلق بفقدانك وكنت لي الأخ والسند والعضد والصاحب. عزائي الوحيد هو وعد رب العزة أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها وأن الصبر على الابتلاء من شيم العباد الصالحين…

اللهم اشهد أن هذه الكلمات ليست سخطا على قدرك أو اعتراضا على حكمتك وإنما حبر الشوق واللهفة امتزج بأنين الفقدان ليخط هذه الكلمات على أول صفحة من كتاب حياتي الجديدة: حياة بدون أسامة. 

بطلي الصغير سأظل أكتب لك كلما اعتصرني الاشتياق وعصف بي الحنين، وسأحكي لسارة عن سيرتك العطرة منذ ولادتك، طفولتك، شبابك، سنوات مرضك إلى يوم وفاتك… والأهم من كل هذا أن أختك ستظل تدعو لك منتظرة بمنتهى اللهفة موعد لقائنا بجوار البارئ سبحانه حيث لن نفترق ونعوض كل الأيام التي سأعيشها في ظل أفول نجمك.

أعلم أن عبارة – كون تعرفي شحال نحبك يا ختي- لن تصلني هذه المرة إلا أني باقية على العهد لهذا أقول لك بكل ما تحمله هذه الكلمة من مشاعر: نحبك خوية الغالي، رحمك الله وطيب ثراك… أخوتك وسام على صدري وتاج على رأسي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.