شعار قسم مدونات

هالات سوداء

مدونات، قوة

ماذا لو نمَا عالمك تحت عينيك، وسُطرّت خرائط لا يملكُ مفتاحها سوى أنت؟ اقفز إلى المرآة وتحسس عالمك إن وجدته، ثمّ عد واقرأه بمفتاح خريطته، تأنى قليلًا واسترجع سكرات تشييده، أهي خريطة تستحق التعب؟ أم أنه عالمٌ ذو خريطة صماء؟ عالم أجوف، ينمّ عن سهرات فارغة، وأفلامٍ تصبُ فيها جل وقتك حتى ينساك النوم، ونبضات قلبك العالقة في ماضٍ طواه القدر، ودموع ألمٍ لم يجفَ نهرها بعد، وفراغٍ منمّق يحيل السواد من تحت عينيك شيئًا فشيئًا إلى أيامك. فتتوالى أيامك ويغمرك السواد! 

تتراكم ضغوطاتك ولا تختلط، وكلٍ منها يجرك نحو ضغط جديد، نحو موت بطيء، نحو مشنقةٍ ترقد من بعدها شهيد اللاشيء! فكر قليلًا بل وأسهب في التفكير، تحت عينيك ظلمةٌ حالكة، أيامك يعوم فيها الألم والفراغ، وهيمنة ماضٍ لعين. وأنت جالسٌ تتخبط في أيامك، ولكن إياك أن يقتلك تخبطك قبل أن تقتله. 

ليكن سندك الله، منه الجبر المتين، منه الضماد، منه الشغف، منه القوة. هو مأواك، هو ركنك الشديد. هو الذي يكوّنك إثر كل ندبة، هو الذي يحمدُ على التعب اللذيذ، المكلل بالرضا

ماذا يروق لك: أن تصبح شهيد اللاشيء أم يصبحَ اللاشيء هامداً لا وجود له في حياتك؟ عليك أن تقتله، أجل اعدمه وإن استطعت ارمه بالرصاص، وأقم حفلةً لوداعه. ولتشع تلك الظلمة نورًا. نورٌ ينبثق عن شغَف، ذلك الشيء الذي لا يتحدد بمكانٍ أو زمان، شيء يتلبسك بغتة، ولكنك لا تدرك أنه مقيم فيك فمنذ شهيقك الأول تشربته وتصاعد في دمك. ثم قتلته، لربما بعفوية، أو عدم اكتراث ولكن انصت قليلًا! أتسمع؟ له ضجة طفيفة تجيئك بين حين وآخر، تطرق بابك بقوة ولكنك مشوش لا تستطيع الانصات. 

تحرر من ألمك! واجعله قوتَك. اركن ماضيك المزعج في أقصى زاوية في حياتك، ادفنه وامضِ. حطم أغلال فراغك، تخلص من ثغراتك الصغيرة، آمن بنفسك، واحقن نفسك بهرمون الشغف. وليكن سندك الله، منه الجبر المتين، منه الضماد، منه الشغف، منه القوة. هو مأواك، هو ركنك الشديد. هو الذي يكوّنك إثر كل ندبة، هو الذي يحمدُ على التعب اللذيذ، المكلل بالرضا. 

ابتسم قوةً وأنر طريقك بعظمتك. اجعل من هذيانك شعلة تنير دربك. اصنع حلمك وارمه في السماء، وانتظر سقوطه محققًا ومكللًا بحلم جديد. اجعل تحت عينيك كتابًا ين دفتيه شغفك وطموحك، بين سطوره نقرأ مفترقات طرق وعرة أخذتك من نومك وأردتك قلِقًا متقلبًا تبحث عن سكة جديدة لشغفك. محتارًا بين هاتيك وتلك، ثم تنمو مدينة جديدة مليئة بعوالمَ فريدة، عوالم تبثك أنت. أنت بنسختك الفريدة. أنت ما بعد زلزال الشغف. ما بعد بزوغ فجرك الجديد.

كنت قد قلت وما زلت أقول:جرب أن تغمرَ روحك في شيء تُحبه. صدقني لن يهمك عمق التعب، وستجري الساعات كالفهد مسطرة لذة النجاح، لا عليك، هالاتك السوداء سيتولاها بريق شغفك، الذي سيراه الناس يقفز من عينيك وإن كانتا مغمضتين! إن لم تدرك شغفك حتى الآن، فقد حان الوقت..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.