أظن هذه المرحلة من الانسداد الفكري غير مسبوقة أبدا.. وأن معظم العقول قد تلفت من الغسيل المتكرر.. وما أشد إلحاح ذلك السؤال المؤلم الذي أصبح يراودني دوما.. ترانا وصلنا لنقطة اللاعودة؟!.. أم هناك أمل؟!
أهناكَ أملٌ بعد أن وصلت العلاقات بيننا لهذا السوء.. بعد أن أصبحت الأخطاء البسيطة لا تغتفر.. بعد أن أصبحنا لا نطيق المخالف.. ووصل الأمر لحد التشفي بمصائب المخالف في أحسن الأحيان إذا لم يصل الأمر إلى التسبب فيها.. أيمكن لتلك الخلايا التالفة في العقول أن تنجبر وتشفى بعد هذا التغييب الذي طال جدا.. أدعو الله دوما.. أن يفتح هؤلاء أعينهم قريبا.. قبل فوات الأوان.. يفتحوها ليروا أنهم بالغوا كثيرا.. أنهم على وشك الانقضاض على إخوانهم وبني جلدتهم.. أو ربما فعلوا.. أن اللحوم التي على أطباقهم هي لحوم أهاليهم وجيرانهم.. وأن المحاكمات التي ينصبونها لاتهام نيات الناس ليست إلا من أجل أسباب تافهة جدا..
البشري العربي يستفزه الوجه العبوس.. أظننا نستطيع أن نعيش بشكلٍ أفضل.. وأن الله خلق عالما يتسع للجميع.. وأرضا تتحمل أضعاف عددنا.. |
متى نفهم جيداً.. أن الدين أوسع من أن يقتصر على فهم شيخٍ واحد ومنهجٍ واحد!.. وأن الخلاف جزءٌ من الفقه حتى في عصر الصحابة الذين عاصروا الوحي! متى نستفيق لنرى السياسة على حقيقتها وأنها في أغلبها مجرد لعبٍ بعواطف العامة للوصول لأهداف حزبٍ معين أو رجلٍ طموح ولا تستحق أن نخسر بسببها علاقاتنا المتينة! وأنَّ أرواحنا وأرواح أحبابنا أغلى من أن نسفكها من أجل مكسب سياسيٍ لحزب أو لفرد!
متى تزاح الغشاوة عن أعيننا لنرى أن الإعلام يوجهنا كما يشاء ولا يرينا إلا ما يريد وكما يريد.. في وقت أصبح الشباب يتفاعلون مع المجرم في الفيلم.. ويتعاطفون مع اللص والمغتصب والفاجر.. دون وعي فقط لأن المخرج أراد ذلك.. أظن أن الأفلام اختصار مرعب لما نعيشه في زمن الانفتاح الذي تفتَّح فيه كل شيء إلا العقل..
أخيرا أعتقد أننا إذا فهمنا ووعينا كل ما مضى.. ربما نستطيع أن نبتسم مجددا في وجوه الناس بعد أن تحجرت وجوهنا.. أظننا سنتذكر وسائل أخرى كان الناس يستعملونها في النقاش بدل الصراخ والشتائم والهجر والقتل والكيد.. أظننا نستطيع أيضا نشر أفكارنا التي نعتقد صحتها باللين أكثر من الشدة.. وأن البشري العربي يستفزه الوجه العبوس.. أظننا نستطيع أن نعيش بشكلٍ أفضل.. وأن الله خلق عالما يتسع للجميع.. وأرضا تتحمل أضعاف عددنا..
كان الناس قديما ينزعون الأضراس بالكلاليب.. تطورنا اليوم وأصبح الأمر أكثر يسرا وأقلَّ إيلاما.. المفارقة أننا في المقابل أصبحنا نعمد إلى أفكار الغير لننتزعها بالكلاليب!.. إنها البدائية التي لا تريد الانفكاك عن بعضنا حتى إن لبسوا البدلات الأنيقة وسكنوا البيوت الراقية.. ليتنا بقينا نتألم بسبب أضراسنا وغابت الأحقاد..
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.