شعار قسم مدونات

الإلحاد.. وليد الذّعر

blogs-الجنة

إذا أردت أن تهدمَ حضارة ما، ما عليك سوى هدم الأُسرة، هدم التعليم، وإسقاط القدوة. والناظر إلى معظم المؤسسات التعليمية في الوطن العربي من جامعات وكليات ومدارس سيلحظ نسبة لا بأس بها من التخلف الأكاديمي عن ركب الترتيب العالمي من جهة، ومن جهةٍ أخرى عدم تجديد وتطوير المواد الدينية مما جعل دراستها خاليةً من تحقيق الحد الأدنى من الخشوع والتذكير.
 

لقد بات عموم الشارع العربي راضياً إلى حد كبير عن نسبة ازدياد الإلحاد في مجتمعه، لا أذكر أن هذا الرضا كان هو نفسه في الماضي، ولا أتذكر بأن نظرة المجتمع البسيط حول الإلحاد والملحدين كانت كما هي نظرتهم اليوم، كان الناس على الفطرةِ أكثر، يحاربون من زاغ عن الصف، أما اليوم باتت حركات الملحدين ونشاطاتهم تُغري الآخرين وتُبهرهم بين الفينةِ والأخرى، حتى بات الكثير ممن يرى في الإلحاد ما لا يراه في التدين، وبات شريحةٌ من هؤلاء يظنون يقيناً بأن الإلحاد ما هو إلا تطور بنّاء سوف تأفل على يديْه شمس الدين.
 

لا توافق بين الإسلام والإلحاد، ولا وجود لشيء اسمه إسلام علماني، ولا وجود لشيء اسمه يسار إسلامي، ولا وجود لتيارات تقيمُ إسلامها على نصوص ماركس ولينين، نحن مكتفون بالإسلام وهم مكتفون بالعدم.

ولاشك أن ظهور تنظيمات متطرفة أمثال داعش، قد ألقى بظلّه سلباً على ذهن المواطن البسيط الذي يقرأ القرآن دون تدبر ويسمع لأهل الخير دون استماع وإنصات، على الأقل فلقد وصل الذعر لهذا المواطن حيال ما تقوم به هذه التنظيمات من تشريع للقتل وتمزيق الأوصال، على أن الدين الإسلامي يأمر بهذا فعلاً، ومما يسهّل على عموم الناس التوفيق بين الأمرين هو تقارب النص -ظاهرياً- الذي يبني هؤلاء المتطرفون حجّتهم في القتل عليها، حينها سوف تُنسب أعمال التخريب هذه للإسلام، بسبب جهل المتطرفين أنفسهم حول تفسير النص وأسباب نزوله من ناحية، ومن ناحية أخرى جهل العموم في الفِهم والتوفيق . بيد أن الكيّس الفطِن يدرك بأن هذا الفعل لا يُحسب على الإسلام ولا على أهلِه. وفي أعين من ألحد، بات من يستدل بالنصوص الشرعية ويؤصّل لأبسط المسائل هو داعشي بامتياز.
 

أما السؤال الذي يشغل البال، هل الإلحاد -والذي هو وليد العلمانية- بات نشاط نهضوي وتقدم فكري واجتماعي للأفراد والأمم؟، بمعنى هل تقدم العرب علمياً وحضارياً مشروط بالتخلي عن الدين؟ أراهن أن مزيداً من الذعر وقع الآن على أذهان كثير من المسلمين قبل الملحدين أنفسهم، وحتى أدلكم على أين تجد هؤلاء المشككين، فستجدهم يقولون: إن الإلحاد حرية أما التديّن تطرف، يسبّون العُلماء والمشايخ، يُسقطون عِلمهم واجتهادهم، يبحثون عن زلاتهم وتناقضهم، وتراهم يهزؤون بالله ورسوله عبر صفحات الوسائل الاجتماعية. وهنا يكتمل ثالوث الحكمة التي بدأتُ بها المقال، إن أردت هدم حضارة، فعليك بإسقاط القُدوة.
 

ومن الدروس العقيمة المتكررة، المناقشات السفسطائية والجدلية التي تدور حول أصول لا توفّر في نهاية الأمر أرضية مشتركة، وللأسف فإن أكثر تلك الحوارات تنتهي بالتعادل السلبي، نظراً للتعقيد الذي يسلكه الحوار، بل يجب أن تُبنى الحوارات على البساطة والارتجال. للآسف الشديد كثير ممن يشكك في الرسالة الإسلامية هو مسلم في نهاية المطاف، لكنه لا يبدو جاداً في البحث عن إجابات، إما أنه منشغل في عملِه الحياتي الذي يمنع ضمنياً مناقشة المسائل الدينية، أو أنه لا يرى في عُلماء أهل السنة والجماعة أي كفاءة للاستدلال بهم، وفي كل الأحوال يخشى هؤلاء من الحقيقة التي قد تتعارض مع مصالحهم الشخصية والعاطفية، نؤكّد ها هنا أن خطر الإلحاد والعلمانية لا يقل خطورة عن داعش.
 

إن محاولة إجبار العالم على رؤية الأمور من منظور شخصي معيّن هو استبداد وانغلاق مقيت، وكما أن للناس حريتهم في التدين فلهؤلاء حريةَ الإلحاد، طالما لم يُحارب الطرف نقيضه، ونؤكد بأن لا توافق بين الإسلام والإلحاد، ولا وجود لشيء اسمه إسلام علماني، ولا وجود لشيء اسمه يسار إسلامي، ولا وجود لتيارات تقيمُ إسلامها على نصوص ماركس ولينين، نحن مكتفون بالإسلام وهم مكتفون بالعدم، أما الرسالة التي نوجهها للطرفين هي إذا كنتم لا تؤمنون بالحرية لأناس تحتقرونهم لسببٍ ما، فأنتم لا تؤمنون بها على الإطلاق، أما الآن فسأقدر لكم إن أشحتم قليلاً عن تديّننا وعُلمائنا وسُنتنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.