شعار قسم مدونات

دكاكين التنمية البشرية

blogs-تنمية بشرية
في مجتمعاتنا العربية المعروفة بعدم تقدير المثقفين، تتعجب حين تجد أسماء مدربي التنمية البشرية تلمع بقوة، وعباراتهم -المتشابهة- تتناقل على نطاق واسع، ودوراتهم التدريبية في انتشار أكبر، ما يثير التساؤل عن مدى واقعية ما يقدمونه للناس.

في أحد معارض الكتب سألت المشرف عن أكثر الكتب مبيعا، فقال: التنمية البشرية! وقد قرأت عشرات الكتب في التنمية البشرية -إعجابا في البدء- وما وجدت جديدا يذكر، ولا فريدا غير مكرر، سوى العبارات المثالية من قبيل "أنت عظيم! ابحث عن الكنز بداخلك" وأسلوب الكتابة الركيك، وضرب من ضروب الكذب الفاخر، وبطولات الكتاب وعبقريتهم في مواقف الحياة.

كنت أجمع بيانات عدد من المدربين، فإذا أكثرهم ليس معه شهادة جامعية، سوى أسماء جامعات وهمية، بل أحدهم كاتب بافتخار أنه حاصل على شهادة شكر من وزارة الأوقاف!

جرب بنفسك وادخل أقرب مكتبة ستجد كتب التنمية البشرية بنفس المحتوى، بنفس العناوين والألوان، حتى صورة المدرب الخطير في صفحة الغلاف بنفس الهيئة فاتحا يديه مبتسما لجيبك. إذا اشتدت بك الأيام، وضاقت بك السبل، وشعرت باليأس، فباب التنمية البشرية مفتوح، اشتر شهادتين من كندا أو أمريكا، وضع قبل اسمك لقبا جذابا، وافتح دكانا للتدريب فإنها مهنة من لا مهنة له، وسبيل الترزق الواسع، وعلاج البطالة والاكتئاب. لا تتأخر فالأجور تحسب بالساعة، وسعر الساعة التدريبية يتجاوز الألف دولار!

كنت في أحد دكاكين التدريب وتعاقد الدكان مع "مدرب عالمي" بعشرة آلاف دولار لدورة تدريبية بواقع 5 ساعات. هنا تتجلى أرقى صور النصب والاحتيال. أكثر ما يستوقفك في دورات التنمية البشرية أسماءها المبهرجة، "استراتيجيات صناعة النجاح"، "أسرار الذكاءات المتعددة"، "كيفية تطبيق قانون الجذب"، "دبلوم الهندسة النفسية"، أنا أخذت هذا الدبلوم في يومين! 

ليس الكلام هنا رفضا للتنمية، ولا خوفا من علم جديد، بل نتمنى لشعوبنا العربية التنمية الفعلية في مختلف المجالات، وأن يعم العلم النافع، وتنتشر الثقافة الموثوقة، بعيدا عن هرطقات التنمية البشرية، مع عدم التقليل من شأن بعض المتورطين فيها، لكن كثيرا من المدربين لا يملكون خبرة في الحياة، ويفتقرون للمخزون العلمي والثقافي، ولا يمتلكون الشهادات المعتمدة. وقد كنت أجمع بيانات عدد من المدربين، فإذا أكثرهم ليس معه شهادة جامعية، سوى أسماء جامعات وهمية، بل أحدهم كاتب بافتخار أنه حاصل على شهادة شكر من وزارة الأوقاف!

كنت في أحد دكاكين التدريب وتعاقد الدكان مع "مدرب عالمي" بعشرة آلاف دولار لدورة تدريبية بواقع 5 ساعات. هنا تتجلى أرقى صور النصب والاحتيال.

عندما يتحدث مدرب التنمية البشرية بكلماته المرتبة جيدا عن القيادة، فهذا يعني أنه قائد، وحين يقدم دورة عن التميز والإبداع فهذا يستوجب أن يكون مبدعا في المقام الأول، لكن الواقع يقول غير ذلك. في إحدى الدورات عن فنون الإلقاء كانت فرائص المدرب ترتعد، وفي دورة بعنوان "كيف تصبح مليونيرا؟" أتى المدرب على دراجة هوائية! عموما يقول المدربون أن باب النجار مكسور، و أن الأعمى قد يحمل المصباح ليضيء درب الآخرين! يضحكون على المساكين، يبيعون للناس الوهم والكلمات، في سبيل زيادة الرصيد البنكي!

دورات التنمية البشرية باب رزق كبير، ومحتوى في أقل حالته غير صحيح، وحتى الشهادات التي تعطى للمتدربين أغلبها غير مقبولة، أعرف من كتب بنفسه لنفسه مجموعة شهادات معتمدة من جهة مشهورة في دولة أجنبية! لا تدخلوا دورات التنمية البشرية حفاظا على الوقت قبل المال، فما يقدم في هذه الدورات -بشهادة أحد رواد التنمية البشرية- لا يعتبر علما، سوى علم بالجهل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.