شعار قسم مدونات

سَكِّنْ.. تَسْلَمْ

blogs - arabic language
ربما وفي كثير من الأحيان تلكأت ألسنتنا على مطبات نحوية لغوية، لم نُدرك هل الاسم مرفوعٌ أم منصوبٌ أو علّه كان مجروراً منعا لالتقاء ساكنين فنَنْفد، ونتجاوز ذاك كلّه بقاعدة "سكّن تسلم"، لنقع بفخّ ما أُنِّث وجُمِع من الكلمات فلا سكون تنفع ولا حركاتٍ تفيد!

سَكِّنْ.. تَسْلَمْ!
تُصاب بوعكة صحيّة، تتعجرف على وجعك ويكأنك الطبيب المحترف بعلاجها فتبدأ بصرف مسكنات طبية أفضلها لن يدوم أكثر من ثماني ساعات لتعاود الآلام بفتك أوصارك من جديد، وعاجزاً تحاول أن تربط عليها لئلا تعود؛ لتتفاجأ بعدها بنوبة من الأمراض المحوصلة التي لا يُفيد معها مسكن يقضي على 99.9 بالمئة من الأوجاع!

لن تسلمَ بتسكين الأحرف، ولن يكون مهرباً لك، بل سينعتك النّحاة واللغويون بالمتساقط على شفا حفَر اللغة، وويل لك إن كنت صاحب صوت وجرّتك "الهريبةُ ثلثي المراجل" إلى التّسكين.

سَكِّنْ.. تَسْلَمْ!
يتعكّر صفو ودادك مع أهل أو صديق أو حبيب، تقف فاغرا فاك كعاجز بين سدّين لا تفقه قولاً ولا عملاً وبكل ما أوتيت من بلاهةٍ تتجاوز غضبك بحُلم التّسكين آملاً أو مؤمّلاً بأن يكون هو الحل الأمثل لتعود المياه إلى مجاريها وكأن شيئا لم يكن! عذراً من "معالي سيادتك"! فلم يكن التّسكين في غالب أحواله سلامة، وبرأيي لن يكون!

ما ذنب حركات نُهاجمها بدائرة صغيرة مركونة في أعلى الكلمة؟! ما ذنب لغة وعلم كامل مليءٍ بالقواعد أن نُسكّن فيه ما نعجز تحريكه لنسلم نحن ونترك وراءنا لغة تهترئ؟! أوليس من السلامة ألّا نسفّه كلمات لا علم لنا بإعرابها بدلاً من أن ندمّر علماً كانت سلامة غيرنا بتحصيله! وقل لي بربك إن كنت أنت وأنا وجميعنا سنتعالج متعجرفين بمسكنات لا تسمن ولا تغني من جوع فما فائدة طبيب أفنى من عمره عشر سنوات على الأقل ليضع يده على وجعك الصحيح ويداويك؟! وما أدراك أنّ العلاج أصلا يكون بالدواء فقط؟ ما فائدة المسكنات لأضراس العقل اللّعينة؟ وما تنفع لأطراف مصابة بالغرغرينا؟! وأي مسكنات ستفوز في مباراة الإنفلونزا ما إن داهمت حلبة مصارعتك كل أسبوعٍ شتاءً؟!

وما أدراك أيها "الفهلوانيّ" أنّ تسكين مُنازعات المشاكل الاجتماعية تبوء بالنجاح دائماَ؟! وهَبْ أنّها دامت واستمرت، أوَتنكرُ أنك وعلى بعد أمتار من مشكلة جديدة ستنفتحُ "الدفاتر" السابقة؛ وسكّنها إن كان بوسعك حينها! أو أوصد أبواب جهنم التي فتحتها التراكمات عليك! أوَلم تعلم أنك وإن اعتدتَ على التسكين سيعتاد الناس على سكوتك وهوانك؟ ولن يكون بمقدورك مناقشة أي أزمة تمرّ بها، لتُصدم حينها وإن كنت مُحقا مطالباً بحقك بجملة:"سَكِّنْ.. تَسْلَمْ"!

سَكِّنْ.. لكنك لن تَسْلَمْ!
لن تسلمَ بتسكين الأحرف، ولن يكون مهرباً لك بل سينعتك النّحاة واللغويون بالمتساقط على شفا حفَر اللغة، وويل لك إن كنت صاحب صوت وجرّتك "الهريبةُ ثلثي المراجل" إلى التّسكين، فلن تلحق وقتئذٍ على المتصيدين والمدافعين عن اللغة! لن تسلمَ بتسكين أوجاعك وتضميد جراحاتك بمسكنات على طول المدى، فلا بُدّ وأن يُعرف الداء ليُكشف عن الدواء فتُصفّد الأوجاع وتبرأ الآلام!

وحذاري أن يغرك الشيطان أو "المتشيطنون" بتسكين كل عقبة تَرتطِم بها، فجلب الحلول يكون بالنقاش والتفاهم، لا بالتكميم والتجاهل، وإيّاك أن تضع حجرا كبيرا على عقبتك فيقع على رأسك و"يفُجّك فجا"! مرّن لسانك على تمايلِ الحركات ولا تُسكّن، اعمل قائمة بأسماء الأطباء وحاول جاهداً أن تصل رحمهم عند تعبك، أعط كل ذي حق حقه ولا تجعل مُعضلة تمرّ إلا بعلاجها. لا تُسكّن.. فإنك لن تسلم!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.