شعار قسم مدونات

الربيع الثاني.. حلم قد يعود للواجهة قريبا

مدونات - اليمن الثورة اليمنية

انتهى الربيع خافتا لدى الشباب العربي بعد أن سقطت ثمار هذا الفصل جافة، لتعيد حراكهم لنقطة الصفر، أي قبل حدوث تلك الثورات التي بدأها البوعزيزي من تونس أواخر عام 2010 كرد فعل على ممارسات الأنظمة المستبدة ببلداننا العربية، تغيرت رؤوس الأنظمة وبقيت الحال على حاله، فبمجرد مرور العاصفة، عاد سكان "القبيلة الظالمة"، أهل الأنظمة الفاسدة إلى عروشهم والأماكن التي نصبوا أنفسهم عليها دون وجه حق، عادوا أكثر قوة من ذي قبل، ومن كان يتخبط بقراره في الوسط من بلدان الغرب "الديمقراطية" صار معهم، يبارك خنقهم للشعوب، ويدعمهم حتى لا يتكرر المشهد السوري الذي أدى إلى زحف الملايين بعيدا عن أراضيهم، حتى بشار الأسد الذي كانوا يؤكدون على أن لا تسوية للملف السوري بوجوده، أصبحوا يمدون له اليد ليكون طرفا رئيسيا في أي حل يتم الوصول إليه.

 
كما يقال "اليوم ليس كله ظلمة"، ففيه زمن الشروق ووقت الغروب، وهو ما يمكن إسقاطه على هذه الثورات التي أشرقت الشمس فيها لزمن قصير كان مخطط له، لتخفت بعدها دون عودة لحد الآن، لكن لابد أن يكون لهذه القصة أجزاء أخرى إما في السنوات القريبة المقبلة، أو خلال عقد أو عقدين من الآن على أقصى تقدير، فأفول قمر التغيير الذي ظهر للحظات لا يزال عالقا في ذهن شباب الثورات، خصوصا باستخلاصهم لدروس ما وقع، أبرزها أن لا يقفوا عند إزالة الظاهر من الأنظمة الفاسدة، بل وجب اجتثاث الأخيرة من جذورها، وإكمال الطريق بأنفسهم نحو الإصلاح واعتماد نهج ثوري بدل نية الإصلاح والوقوف عند عبارة "الله غفور رحيم"، مما سيؤدي حتما لعدم الإبقاء على آثار الفاسدين وخدامهم، وعدم الاعتماد على طرف غيرهم في تحقيق غاياتهم حتى لو كان أولئك الساسة الذين وقفوا في ظلهم، رغبة منهم في الركوب على مطالبهم وتسلق سلالم السلطة تحقيقا لأهدافهم الشخصية، كما أبانت التجربة الأولى من الثورات بمنطقتنا، فمنهم من قال أنه سيعمل على محاربة الفساد وغيرها من الشعارات الشعبوية الجميلة، المحركة و المدغدغة لمشاعر الشباب، ولما وصل لكرسي الحكم إما بلع لسانه أو تحالف أو تنازل لآلات وأدوات النظام السابق.

 

لا يمكن أن نتحدث عن أسباب فشل الحراك الشبابي دون ذكر أطراف إقليمية كانت يدها خفية في تدمير مبادرة الشباب والشعوب العربية بصفة عامة في القضاء على نسل كل الأنظمة الفاشية، الصورة اليوم أصبحت أكثر وضوحا، فدول البترودولار الخليجية السلطوية، أذكر هنا بالتحديد الإمارات والسعودية اللتان صاحتا علنا برفضهم أي حراك أساسه التغيير أو المطالبة بما هو موضوعي، والذي من شأنه أن يحسّن من ظروف عيش المواطن بالمنطقة، خشية أن ينتقل ذلك لهم، ولنا في دعمهم الآن لأنظمة عسكرية بمصر وليبيا خير مثال، فما تقدمه للجنرال حفتر الذي يريد خلافة سلفه المقبور الديكتاتور -معمر القذافي- بالقوة دون اكتراث بأوامر المجتمع الدولي والذي تقوده هيئة الأمم المتحدة، الطارحة لمجموعة من الأفكار والمبادرات تقف على حاجز هذا الرجل الذي لا يرى أي فرصة لإقامة دولة ليبية في غيابه، وللسيسي المنقلب على أول رئيس مدني -محمد مرسي- في تاريخ مصر، الذي لا يمكن تصديق ما يقدم له من موارد مادية.

  

بدو أن الجزء الثاني من الثورة العربية لن يكون كسابقه، فالطريق لتحقيق الطموح المشروع لتحرر مجتمعاتنا من الفساد والتبعية صارت مرسومة
بدو أن الجزء الثاني من الثورة العربية لن يكون كسابقه، فالطريق لتحقيق الطموح المشروع لتحرر مجتمعاتنا من الفساد والتبعية صارت مرسومة

 

وكذلك يفعلون مع أمثالهم شرط أن يكون خادما لهم وتحت إمرتهم، معلنا الولاء المطلق، ليتحقق له ما يريد خاصة ما يتعلق بصورته لدى الغرب، الذي يدعي الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، لكن ما يعقده من صفقات مع هذه الأنظمة أو مع محتضنها يسيل اللعاب كصفقة طائرات رافال فرنسا مع عسكر مصر، وصفقة القرن بين ترمب/أمريكا والسعودية، ويجعلهم يقَبلون بالأمر الواقع، وتصير لهم بعدها أهداف موحدة، أهمها "بُعبع التطرّف" الذي ألبسوه ثوب الإسلام ليعنونوه تحت "الإرهاب الإسلامي"، الذي حسب ما يقولون وجب استئصاله، لكن داخلهم يعلمون أن هذا مجرد ذريعة لهم ولزملائهم بالمنطقة لفعل ما يحلو لهم من تدمير وخراب لأحلام الشعوب وارتكاب مزيد من القمع والتعذيب والقتل في حق الرافضين لسياساتهم.

 

يبدو أن الجزء الثاني من الثورة العربية لن يكون كسابقه، فالطريق لتحقيق الطموح المشروع لتحرر مجتمعاتنا من الفساد والتبعية صارت مرسومة أمام الكل من أجل تحقيق تلك الغايات المنشودة، والتي تم تأجيلها أو بالأحرى إخمادها بهدف عدم انتقالها للمناطق المجاورة، ولكن يجب الأخذ في عين الاعتبار تكلفة أي محاولة للتغيير أو الضغط من أجل الحصول على مزيد من الحريات وتحقيق مطالب اجتماعية، وهذا في ظل استعدادات مخابرات الأنظمة العربية و نظرائهم الغربين في التصدي بالمرصاد لأي خطوة قد تكون مباغتة لهم، فالآن عيونهم أكثر انفتاحا عن ذي قبل، ولذلك فمجرد التفكير في شبه مظاهرة عادية للمطالبة بأبسط الأمور قد تجعل أصحابها على حبال المشانق بتهم جاهزة أو من المختفين قسريا، ويجب كذلك التأكيد على أهمية "السلمية" كشعار رمزي وفعلي مقدس، والذي وجب عدم الانجراف على خطه والسقوط في صراعات وحروب أهلية لن يستفيد منها إلا طرف أجنبي ثالث يَجني من ذلك ترواث مهمة ومكاسب استراتيجية ما كان ليحققها لولا ما حدث.

  
بعيدا عن العسكر الذي أتبث انتهازيته، لرفضه في عديد المرات تحقيق أي انتقال ديمقراطي يسلم فيهه الحكم للشعب، والتاريخ العربي شاهد على ذلك، فمنذ الانقلاب العسكري الأول الذي عرفته سوريا سنة 1949، والذي قام به قائد الجيش العسكري السوري حسن الزعيم على الرئيس شكري القوتلي، وصولا لانقلاب عبد الفتاح السيسي سنة 2017 لم تسلم السلطة لأي قيادة مدنية بعد إجراء انتخابات نزيهة إلا مرتين، أولاها كان بطلها المشير عبد الرحمن سوار الذهب عام 1985 في السودان بعد إطاحته بأكثر رؤساء المنطقة شمولية وهو جعفر النميري، والذي كان يعيث في أرض النيلين فسادًا، ليسلم بعدها حكومة الصادق المهدي المنتخبة زمام الأمور، ويعتزل بعدها نهائيا الحياتين العسكرية والسياسية، وثانيهما أعلي ولد محمد فال، مدير الشرطة الموريتانية الذي أسقط نظام حكم معاوية ولد أحمد سيدي أحمد الطايع خلال عام 2005 بعد 19 سنة من الانفراد بالحكم، ليلي هذه الخطوة تسليم مفاتيح قيادة الدولة لأول رئيس مدني للبلاد عام 2007 بعد فترة انتقالية دامت لأقل من سنتين، ولا يمكن أن ننسى كذلك اللواء محمد نجيب الذي حاول إعادة الجيش لثكناته بعد الانقلاب على الملكية سنة 1952، ومنح السلطة لأهلها، لكن رفاق عبد الناصر آبوْى أن تكون السلطة لغيرهم، وقاموا بعزل نجيب بعدها وفرضوا عليه إقامة جبرية قضى بها ما يناهز 17 سنة، انتهت بعد وفاة جمال عبد الناصر.

 

undefined

 

وهنا تكمن خطورة فكر العسكر الذي يبقى الأخطر على مجتمعاتنا، إذ تصعب مهمة التواصل معه، فهناك بعض أقطارنا لا يزال العسكر يحكمها منذ مغادرة الاستعمار لها، إذ يقومون بتنصيب أنفسهم بقوة السلاح، ولا يرون لهم بديلاً أجدر منهم في تولي دفة القيادة، ناهجين أسلوب الترهيب لقبول المواطنين بالأمر الواقع، والساسة كذلك مهما كان فكرهم أو مرجعيتم، الذين تبين بالملموس أنهم حربائيون تُغيرهم المناصب، إذ بعد جلوسهم على كراسيها يأخذون ألوانها ويتمايعون معها جسدًا وخطابًا.

 

هناك طريق ثالثة لا يعتمد فيها على عنصرٍ خارج إطار المعنيين بهذا الحراك، بحيث يتم صناعة وتأهيل قوة شبابية نخبوية تكون قادرة في أي وقت من الأوقات على الأخذ بزمام الأمور وقيادة أوطانهم نحو الضفة الآمنة والعمل بعدها على إنجاز الأهداف المسطرة عند حدوث فجوةٍ أو انهياٍر لنظام مستبد قد تساهم فيه عنوة هذه النخبة بشكل مقصود وغير مرئي، ولن يتم ذلك إلا بانخراطهم في الحياة السياسية ومعرفتهم لكل مكامن القوة والضعف بها وأسباب الفشل التسييري وطرق تجاوز الإشكاليات المطروحة، هذا كله مع نية الإصلاح أولا إن أمكن ذلك، وعند استعصاء ذلك بسبب استشراء الفساد فوجب التركيز على تقوية الأماكن والأدوار حتى بلوغ مراكز قيادية قد تمكنهم بعد ذلك من إحداث تغييرات بسيطة ستتطور مع الوقت دون الإسراع في تنفيذ تلك الأجندات مرة واحدة، والتي يجب العمل بها وفق مبدأ التدرج الذي أساسه "الخطوة السهلة الممكنة تليها خطوة أكثر نضجا".

 

ومن شأن هذه الخطوات تجنيب كل البلدان العربية الدخول في أي حروب أهلية كما وقع ويقع الآن في كل من ليبيا وسوريا واليمن، والتي كان يمكن تجنبها لولا تهاون القوى الغربية من أجل إنهاء الصراعات في مهدها والتوسط المحايد من أجل إيجاد حلول نهائية كانت كفيلة بإزاحة تلك الأنظمة السلطوية أو تنازلها، وتجبُر الحكام على شعوبهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.