شعار قسم مدونات

قراءة تربوية لرواية "قمر ورد"

Blogs- jordan
تكمن أهمية رواية "قمر ورد" للكاتب الأردني رمزي الغزوي في الفئة العمرية التي تستهدفها، إذ استهدفت اليافعين من عمر (12-17 سنة)، وقد تزيد عن ذلك أو تقل، في الوقت الذي تفتقر فيه رفوفُ مكتبتنا العربية للكتب القيّمة الموجهة لهذه الفئة، ولعل هذا واحدٌ من الأسباب التي أسهمت في ابتعاد أطفالنا وهجرهم للكتاب والقراءة بشتى أشكالها، وإذا ما تَوفَّر المنتج للقراءة خلا غالباً من عنصر الجذب، أو كان المحتوى هزيلاً، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن أهمية الرواية تأتي من الرسالة التي حمّلها الكاتب لأحداثها، فالعائلة تنطلق في رحلات عدة عبر ربوع الأردن، ومن خلال هذه الرحلات قام الكاتب وبمهارة تُشهد له باستعراض عدد من المفاهيم والظواهر العلمية وضمّنها بأسلوب سلس ومبسط، وهذا ما سيتم التركيز عليه خلال هذه السطور.

 

يُجمع المختصون في تدريس العلوم من مختلف بقاع الأرض أن أهم مشاكل تدريس العلوم تتمثل في صعوبة مفاهيمها وغربتها عن المتعلم، فيُمضي الطالب وقتاً طويلاً في حصص العلوم يدرس ويتعلم مفاهيم ومصطلحات ونظريات وظواهر يجد صعوبة في ربطها مع حياته اليومية، الأمر الذي يجعل من تعلمهم العلوم أمراً صعباً لا يميلون إليه؛ لأنهم يجدون أنفسهم مضطرين لحفظ مواضيع لا يعرفون لها استخداماً أو فائدة. تأتِ هذه الرواية لتقدم هذه المفاهيم والظواهر ضمن سياق حياتي وموقفي وُفِّقَ فيه الكاتب، إذ مكَّن القارئ من الربط بسلاسة بين ما يتعلمه في المدرسة خلال حصص العلوم، وبين واقع الحياة التي يعيشها.

 
وبهدوء استطاع الكاتب أن يدمج القارئ في سلسلة من المشكلات اليومية ومن خلال أحداث القصة، فيبدأ بمحاولة إيجاد الحلول، في الوقت الذي تنادي فيه كل الأدبيات التربوية في مجال تدريس العلوم إلى ضرورة تبني استراتيجية الاستقصاء وحل المشكلات كأمثلة للاستراتيجيات التي تساهم في تحسين تعلم الطلبة، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ نجد الأطفال وقد نفد الوقود من السيارة، وانقطعت بهم سبل التواصل عبر هواتفهم الخلوية، أمام مشكلة لابد أن يجدوا لها حلاًّ، ليأتي الحل بعد نقاش طويل واستعراض لمختلف الحلول الممكنة من خلال بوصلة النار.

 
وفي سياق آخر، حين حدث شرخ في كأس الشاي عندما سُكب الشاي الساخن فيه، فما الحل لمواجهة هذه المشكلة؟ أمّا خلال جلسة عائلية لتناول الطعام طغت عليها الدماثة وخفة الروح فإذا بالملح يختلط بالفلفل، ليبرز التساؤل كيف لنا بفصل الملح عن الفلفل؟ ثم كيف يمكن لشخص سُجن في ثلاجة أن يبقى حياً؟ وكيف نحول دون تراكم الثلوج على صحن "الستلايت" لنحول دون انقطاع البث أو ظهور الصور المتكسرة، وهنا تحديداً ومن خلال حوار عائلي يتم اقتراح حلول مختلفة وتجريب بعضها حتى يتم التوصل للحل الأفضل من بينها، ألا وهو رش الملح على الصحن.

 

رواية
رواية "قمر ورد" هي محاولة متميزة في الكتابة الهادفة للأطفال (مواقع التواصل)

          

وفي مواضع أخرى كانت قصة الطيور التي حاولت البحث عن الماء في الصحراء، وكيف تنافست الفرق الكشفية في الاحتفاظ بقطعة الحلوى بعيداً عن النمل في الكرامة، وكيف نميز الماء المالح من الماء الحلو، وما الطريقة التي نتأكد بها من مناسبة المَحْلول المِلْحي لإتمام عملية تخليل الزيتون، كل ذلك وأكثر، مواقف يومية يمكن أن يمر بها الطالب ولا ينتبه إلى أنه تعلَّم الكثير عنها، وأنه من خلال ما تعلمه يمكنه أن يجد الحل. وفي كل مرة نحدد المشكلة، وننظر في الخيارات التي يمكن طرحها لتكون حلاًّ، وما النتائج المترتبة لكل خيار مطروح، لنختار الأفضل، ثم نسأل أنفسنا كيف سار الحل؟ ولا يقدم الكاتب الحل مباشرة، إنما بعد حوار يتعرض فيه لأكثر الحلول الممكنة، ويفندها الواحد تلو الآخر، حتى يصل للحل الأمثل.  

    

ومن ناحية أخرى قدم الكاتب أمثلة كثيرة لاستخدام الدراما في التعليم، ويمكن للطالب أن يستخدمها أمام زملائه، أو أن يحاكي مثل هذه القصص في أمثلة أخرى، على سبيل المثال مسرحية "أسهل من اكتشاف أمريكا"، والحوار بين الممحاة والقلم، ولم يمرِّر الكاتب مثل هذه الفرصة دون أن يمرِّر الكثير من الرسائل للقارئ، فلا يجب أن نقلل من إنجازات الآخرين، كما ينبغي أن نقدِّر من يمحو عثراتنا، وحاول الكاتب ومن خلال جملة من الإيماءات إثارة تفكير القارئ وذلك على لسان إحدى بطلات القصة "نايا"، التي كانت تتساءل قائلة: "بل أفكر لماذا نرى أشكال الضوء قبل أن نسمع صوتها؟".

   
ونجد الكاتب مرة أخرى لا يغفل الدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في حياتنا، وحياة أبنائنا على وجه الخصوص، فنجد كريم يكتب قصة السلطان واختراع الأحذية التي راقت له على حائطه تعميماً للفائدة، فليس كل أمر صالح للنشر. ولم يغفل الكاتب في اهتمامه بتقديم المفاهيم العلمية، عن إثارة انتباه القارئ إلى بعض المفاهيم الخاطئة، والتي شاع استخدامها الخاطئ بين الناس حتى ساد، فعلى سبيل المثال؛ "ذوبان الثلج" عوضاً عن انصهاره، وضوء القمر عوضاً عن نور القمر، فكلمة ضوء تستخدم للمصدر الرئيس للضوء كالشمس والنجوم، أمّا كلمة "نور" فتستخدم للجسم الذي يعكس الضوء، وبذلك يكون الأصحُّ قولُ "نور القمر"، واستند في ذلك للآية القرآنية: "هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً"، وهنا وُفّق الكاتب كثيراً في الربط بين العلم والقرآن واللغة، وبذلك يشعر الطالب بأهمية ما يتعلم، ويتعوَّد أن يربط المواضيع التي يتعلمها، وهو بذلك يعي أنها ليست أجساماً منفصلة.

  

استطاع الكاتب توظيف الظواهر والقوانين العلمية في سياق أدبي جذّاب، ومرر الكثير من الحكم والرسائل خلال روايته
استطاع الكاتب توظيف الظواهر والقوانين العلمية في سياق أدبي جذّاب، ومرر الكثير من الحكم والرسائل خلال روايته "قمر ورد"

  

قدَّمت الرواية الكثير من المعلومات التاريخية، وأتت على ذكر أسماء الكثير من المناطق في المملكة، فذكرتها بالاسم والشارع، كما تطرقت لمؤسسات وطنية مثل الجامعة الهاشمية في محافظة الزرقاء، واستحضرت الرواية الكثير من العادات الأردنية في مواسم معينة كطهي (القِلية)، إضافة للأمثال الشعبية المتداولة "شمس اللوز تخلي الصبية عجوز" في سياق تربوي وعلمي أيضاً، إذ إن أشعة الشمس في هذه الفترة تخترق الأرض بصورة مائلة متضمنة كميات من الأشعة فوق البنفسجية الضارة. 

 
لم يمرر الكاتب التصرفات والسلوكيات السلبية دون علاج أو تعديل، سيما تلك التصرفات التي نستصغرها في العادة، كرمي العلكة على الأرض، دون الانتباه إلى الضرر الذي تسببه للعصافير التي تلتهمها ظناً منها أنها آمنة، كما يشير إلى عدم الاهتمام بتنظيف المتنزهات الطبيعية بعد قضاء فترة من التنزه، ونجد الأب في القصة يعود بعد مسافة طويلة للمكان الذي أخذ منه طفله فراشة وحفظها في إبريق الشاي، وقد يبدو الأمر مبالغاً فيه، إلا أننا نحتاج أن نزرع في أبنائنا التعامل برفق مع الكائنات الأخرى.

 
لقد استطاع الكاتب أيضاً توظيف الظواهر والقوانين العلمية في سياق أدبي جذّاب، ومرر الكثير من الحكم والرسائل، فنجده يوظف شرح الكيفية التي نميز فيها البيضة النيئة من الناضجة، ليقول بأنه من الضرورة أن نصبح كالمادة في البيضة الناضجة التي تتحرك حركة واحدة باتجاه واحد، وليس كما في البيضة النيئة، إذ تتحرك فيها السوائل باتجاهات عشوائية تلغي حركةُ كلِّ جزء حركةَ جزء آخر فتتوقف عن الحركة، لقد وُفق الكاتب في هذا وكان كمن يصيب أهدافاً عدة برمية واحدة. ومن الأمور التي قد تبدو بسيطة ولا تثير الانتباه، الاهتمام بالتوثيق، فنجد ورد وثّق ما حدث خلال الرحلة في دفتر صغير، ونجده يمارس البحث العلمي، ويتتبع القمر في أوقات مختلفة ومن أمكان مختلفة، ويقارن حالاته. ثمة الكثير مما يمكن أن يقال عن رواية "قمر ورد"، هي محاولة متميزة في الكتابة الهادفة، ولا أتمنى أن تكون الأخيرة في هذا المجال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.