بايع عبد الناصر جماعة الإخوان المسلمين عام 1945 وقيل عام 1944 بعد أن جنده الضابط عبد المنعم عبد الرؤوف في جماعة الإخوان، وقيل أيضا أن عبد الناصر بايع التنظيم الخاص داخل شقة في حي الصليبة بالسيدة زينب بصحبة خالد محي الدين، وهذا ما شهد عليه خالد محي الدين في لقاء مع يسري فوده، بإن عبد الناصر بايع الإخوان على يد صالح عشماوي.
يؤمن كثير من الناس أن العسكر تجري في دمائهم الخيانة، ويشهدون على كلامهم بما حدث من محمد علي في مذبحة القلعة وخيانة السادات للفريق الشاذلي، ولكن مما لا يذكره التاريخ هو التنظيم الخاص الذي جاهد ضد الإنجليز بقيادة الإمام البنا والصاغ محمود لبيب، فقد استطاع عبد الناصر أن يدرب عناصر التنظيم على الضرب بالنار، وأن يجعلهم جنودا متماسكين، وهذا ما حدث فعلا في معركة الفلوجة عام 1948 التي أبلى فيها الإخوان المسلمون بلاء حسناً.
بعد أن تغلغل عبدالناصر داخل التنظيم الخاص، استطاع أن يجند الضباط إلى حسابه الشخصي، فبعد وفاة الصاغ محمود لبيب والإمام البنا، تولى الضابط زغلول عبد الناصر قيادة الضباط الأحرار، أما عن اسم زغلول فقد كان هذا الاسم الحركي لعبد الناصر، وقف الضابط عبد المنعم عبد الرؤوف ذو التوجه الإسلامي في وجه عبد الناصر بعد أن علم أنه يُجند الضباط من أجل مصالحه وأهدافه الشخصية، ولكن استطاع عبد الناصر أن يُخرج عبدالمنعم عبد الروؤف من جهاز الضباط الأحرار لينفرد به هو تماما،
كان يؤمن عبد الناصر أنه لا فائدة من تعليم الضباط للقرآن والأحاديث، وأن هذا لن يكون سببا أبدا في النصر ويؤخر النصر على الإنجليز.
عندما اعتقلت السلطات المصرية جميع أفراد الإخوان المقربين من الإمام البنا أيقن الإمام البنا أن النهاية قد اقتربت، وأنه لا بد من أن يوصي لأحد من تولي زمام الأمور بعده، فكتب أن المسؤول عن التنظيم الخاص هو عبد الرحمن السندي، وفي حالة حدث له شيء يكون المسؤول بعده جمال عبد الناصر، لم يكن يعلم الإمام البنا أن المدعو عبد الناصر سيعمل على القضاء على الدعوة ويقتل أفرادها في السجون دون وجه حق، حتى يفشل ويفنى عبد الناصر وتبقى جماعة الإخوان المسلمين.
كان أقرب أصدقاء عبد الناصر داخل الإخوان هو حسن عشماوي، وكان عبد الناصر يحكي كل شيء يحدث في مصر والسلطة لصديقه حسن عشماوي، حتى في حريق القاهرة عام 1952، طلب عبد الناصر من حسن عشماوي أن يُخبئ الأسلحة في بيت حسن عشماوي، وبالفعل أخذ حسن عشماوي أولاده في سيارته وذهب إلى مزرعة العائلة في الشرقية، وكانت نفس السيارة التي أخذ فيها حسن عشماوي الأسلحة هي نفس السيارة التى يجلس عليها أولاده، فقد خاطر حسن عشماوي الإخواني بحياة أولاده في سبيل القضية المصرية وطاعة لصديقه المقرب عبدالناصر، ليخبئ عبد الناصر الأسلحة بنفسه في المزرعة.
محمود عبد اللطيف أعدم على يد عبد الناصر بعد أن اتهم أنه أطلق 6 طلقات على عبد الناصر في الحادثة المشهورة بالمنشية، ولكن الحقيقة أنه ثأر قديم لم ينسه عبد الناصر، ففي عام 1951 طلب عبد الناصر من حسن عشماوي أن يرسل له أخا من الإخوان في مهمة خاصة، وهي أن يدس السم في الطعام الخاص بالجنود الإنجليز في معسكر خاص في بورسعيد، لم يكن الإخوان على علم بموضوع السم وأرسلوا له عبد اللطيف نظرا لموقفه الجهادي في فلسطين وشجاعته، وعندما رفض الإخوان موضوع السم ورفضه محمود عبد اللطيف لم ينسه له عبد الناصر هذه الإهانة وأعدمه عام 1954.
تكرر الأمر مع عبد القادر عودة، فعدما خرج الشعب المصري أمام قصر عابدين يطالب اللواء محمد نجيب بالرجوع عن الاستقالة، ورفض الشعب الرجوع إلى منزله بعد أن أنح عليهم اللواء نجيب وعبد الناصر العودة، لينادي اللواء نجيب على المستشار عبدالقادر عودة ليأمر الشعب أن يرجع إلى بيته ويستجيب له الناس ويعودوا أدراجهم، وهنا أدرك عبد الناصر الخطر القادم من هذا المستشار القادر على أن يتحكم في الآلاف من الأشخاص بكلمة واحدة منه.
وهذا الدرس الذي طالما أراد عبد الناصر أن يكتسبه ليتحكم في الإخوان المسلمين، ورفض الإخوان أن ينصاغوا لأوامره، وفشل عبد الناصر في السيطرة على الإخوان، وفي ذلك التوقيت كانت قيادات الإخوان في السجون، وكان المستشار عبد القادر عودة في خلافات مع مكتب الإرشاد، ويقف في صف عبد الناصر لتثبت الأيام للمستشار أن مكتب الإرشاد كان على حق، وأن عبد الناصر كان يحمل الشر للجماعة.
_____________________
* المصادر
مذكرات عبداللطيف البغدادي
الأن أتكلم خالد محي الدين
حصاد الأيام حسن عشماوي
حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبدالناصر
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.