شعار قسم مدونات

وعد بلفور.. لم يكن مجرد وعد

blogs تيريزا ماي و إسرائيل

دخل الفايكونت الأول اللنبي مدينة القدس في تاريخ 11/12/1917م بعد أن خسر العثمانيين مواقعهم في جنوب فلسطين وأصبح سقوط المدينة مسائلة وقت فقط، فقام متصرف المدينة عزت بك بتكليف رئيس بلدية القدس حسين الحسيني تسليم المدينة للجيش الإنجليزي بعد أن خشي على الأماكن الدينية من الدمار والخراب. بينما كان الجيش الإنجليزي يحاصر المدينة ويبعث برسائله من القذائف والرصاص كان وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور يبعث في تاريخ 2/11/1917م برسالة إلى اللورد روتشيلد الثري اليهودي وأحد زعماء الحركة الصهيونية برسالة جاء فيها:

وزارة الخارجية
في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:
"
إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح
.
المخلص
آرثر جيمس بلفور

تحالف الساسة الإنجليز مع الحركة الصهيونية حلف فرضته الظروف والحاجات التي جعلت منه حلفا وثيقا ما زال قائما إلى يومنا الحالي
تحالف الساسة الإنجليز مع الحركة الصهيونية حلف فرضته الظروف والحاجات التي جعلت منه حلفا وثيقا ما زال قائما إلى يومنا الحالي
 

لقد جاءت الرسالة بينما كانت الجيوش البريطانية تقوم على ترسيخ الأمر وجعله واقع فلقد كان الاحتلال نقطة البداية لترسيخ الرسالة وتمكين اليهود من فلسطين تمكينا فعليا فقامت بالسماح بالهجرة اليهودية ووفرت لهم الحماية والدعم الذي مكنهم الاستيلاء على كثير من الأراضي وإقامة عدد كبير من المستعمرات.

هناك سؤال ملح يسأل عن طبيعة العلاقة بين الحكومة الإنجليزية وبين الحركة الصهيونية وما الذي جعل إنجلترا تقدم كل هذا الدعم من أجل تمكين اليهود في فلسطين، فهناك اختلاف في الأسباب التي أدت إلى استمرار هذا التحالف على الرغم من الخلاف التاريخي بين أوروبا المسيحية وبين اليهود.

عندما نمعن النظر في الرسالة ونتعرف على الأوضاع التي كانت سائدة في العالم في تلك الفترة الزمنية نجد أن هناك أسباب عدة لهذا التحالف والتقاء المصالح يرجع أهمها إلى الإمكانيات المادية والمالية التي كانت تتمتع فيها الحركة الصهيونية ممثلة بعائلة روتشيلد التي كانت تتحكم في الاقتصاد في عدد من الدول الأوروبية، فالحكومة الإنجليزية كانت بحاجة إلى الدعم المادي بسبب نشوب الحرب العالمية الأولى.

أما السبب الثاني فيعود إلى حالة العداء بين الدولة العثمانية التي تحالفت مع ألمانيا ضد الدول الأوروبية فكان هذا الأمر بمثابة عقوبة للدولة العثمانية التي كانت مسؤولة عن فلسطين حيث كانت توليها اهتماما زائدا نظرا لوجود المقدسات الإسلامية والمسيحية وبسبب موقع فلسطين الجغرافي.

إن تحالف الساسة الإنجليز مع الحركة الصهيونية حلف فرضته الظروف والحاجات التي جعلت منه حلفا وثيقا ما زال قائما إلى يومنا الحالي وما تصريح رئيسة وزراء إنجلترا الأخير عن عدم الندم على تمكين اليهود من استعمار فلسطين ورفضهم تقديم اعتذار للفلسطينيين إلا دليلا واضحا على أن رسالة بلفور لم تكن مجرد وعد أعطي للصهاينة بل تبعها عمل متواصل على مدار سنوات عديدة بدأ باحتلال فلسطين في عام 1917م ومن ثم تبعه فرض الانتداب على فلسطين من عام 1920 – 1947م.

 

السياسة الإنجليزية لم تتوقف في دعم المشروع الصهيوني لأنها لم تجد من يفرض عليها التوقف فالعرب والمسلمين بلا قوة عسكرية وبدون إرادة سياسية فقراراتهم في معظمها مفروضة من الخارج 
السياسة الإنجليزية لم تتوقف في دعم المشروع الصهيوني لأنها لم تجد من يفرض عليها التوقف فالعرب والمسلمين بلا قوة عسكرية وبدون إرادة سياسية فقراراتهم في معظمها مفروضة من الخارج 
 

حيث تم تمكين اليهود من امتلاك قوة عسكرية مكنتهم من فرض مشروع التقسيم في عام 1947م حيث هجر الفلسطينيين ودمرت قراهم ومدنهم بعد أن منعهم الإنجليز القدرة على حماية أنفسهم حيث كان يحاكم ويعدم كل من يمتلك سلاحا خفيفا من الفلسطينيين بينما كانت توفر السلاح لليهود وتغض النظر عن امتلاكهم الأسلحة الثقيلة.

لقد استخدم الإنجليز القوة أحيانا وفي أحيانا أخرى كانوا يستخدمون الخداع ويشكلون اللجان التي كانت تهدف إلى امتصاص ثورات الفلسطينيين الذين قاموا بعدد كبير من الثورات التي أجهض جلها بالخداع والمكر حتى أن الاحتلال الإنجليزي كان يستعين بالقيادات الفلسطينية والعربية من أجل وقف تلك الثورات التي كانت تهدف إلى الحرية والاستقلال.

إن السياسة الإنجليزية لم تتوقف في دعم المشروع الصهيوني لأنها لم تجد من يفرض عليها التوقف فالعرب والمسلمين بلا قوة عسكرية وبدون إرادة سياسية فقراراتهم في معظمها مفروضة من الخارج وهم مجرد أدوات تنفيذية لمشاريع غيرهم، فبدون امتلاك العرب أدوت ضاغطة لن تغير الحكومة الإنجليزية موقفها الذي ما زلت تتبناه إلى يومنا الحالي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.