شعار قسم مدونات

وخسر الفلسطينيون حاضنة العرب الشعبية

blogs فلسطين

تتمحور نقطة ارتكاز القضية الفلسطينية وعلاقاتها بالحاضنة الشعبية للمحيط العربي على أكثر من دعامة ولكل دعامة خصوصيتها وتفاصيلها وارتباطاتها الأفقية من هنا كان حريا بنا أن نفهم لماذا خسر الفلسطينيون هذه الحاضنة!

  

كأي قضية تحررية في تاريخ الصراعات وحياة الشعوب تكون القاعدة الأساسية والمحرك لهذه القضية هي الشعوب بأفرادها وقياداتها ومثقفيها ومدى صداقتها بالشعوب الأخرى من أجل كسب الدعم المعنوي والديمومة لهذه القضية فكيف إذا كانت بحجم قضية فلسطين وثورتها التي تعد من أعظم الثورات في التاريخ الحديث، فقضية فلسطين هي قضية عربية وتشكل محور الصراع العربي الإسرائيلي كونها ترتبط عضويا وافقيا وشاقوليا بالإنسان الفلسطيني العربي وبالأرض العربية وعلى قاعدة إذا كان جارك بخير فأنت بخير والعكس صحيح.

         
بدأت بوادر التنحي العربي الرسمي والشعبي عن قضية فلسطين واضحا بعيد تحول الميثاق القومي إلى ميثاق وطني وبالتالي كان السهم الأول لهذا الانفساخ عن المحيط العربي بأيادي فلسطينية وقيادات التي استغلت هزيمة المشروع القومي في نكسة حزيران وتقوقعت حول نرجسيتها مقدمة الهدية الأولى للمحتل الذي طالما أراد أبعاد فلسطين عن أسرتها العربية فكان ما كان، ثم بدأت بوادر الحل السلمي والتسوي تلوح في الأفق فتم الاعتراف بدولة الاحتلال وتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني حسب قرارات الشرعية الدولية 242 و338 وهو ما يسمى المرحلية فابتعد الفلسطينيون بأنفسهم عن المحيط العربي.

         
هذا على صعيد القيادة الرسمية الفلسطينية وإذا ما انتقلنا إلى الصعيد الفصائلي والشعبي فليست الحالة أفضل  فقد ارتكب الفلسطينيون ومن خلفهم قيادات الفصائل أخطاء جسيمة بحق الشعوب المضيفة سواء أكان على الصعيد الأردني أو على الصعيد اللبناني والوثائقيات والأرشيف اطلعنا على كثير من التجاوزات التي قام بها الفلسطينيون من سرقة البنوك وأملاك العامة والسيارات بحجة أنهم أغنياء  والتطاول على حرمات المساجد والقيام بدور المليشيات المسلحة في مناطق سكن المدنيين وكأنها عصابات بلطجة ممنهجة أضف إلى ذلك حالة الرخاء والنعيم التي كان تعيشها قيادات الفصائل وكلنا يتذكر المقولة الشهيرة التي قيلت عن هذه القيادات.

        

فما كان من شعوب العرب بأغلبها أيضا أنها التفتت إلى مصيرها الوطني ومشاكلها الوطنية وغاب علم فلسطين مجددا من شوارع العرب
فما كان من شعوب العرب بأغلبها أيضا أنها التفتت إلى مصيرها الوطني ومشاكلها الوطنية وغاب علم فلسطين مجددا من شوارع العرب
 

لن تنتصر ثورة تركب المرسيدس استمرت حالة الفلتان الأمني التي أوصلت الفلسطيني إلى حروب جانبية مع أشقاءه العرب هو بغنى عنها إلى أن خرج الفلسطينيون من دائرة الطوق وهذه المرة إلى تونس التي بدأت فيها المؤامرات الفلسطينية من أجل التوصل إلى اتفاق يضمن القيادة الفلسطينية المترهلة منصب رئاسي ومكاتب وزارية فكانت الصدمة التالية هي أوسلو وأخواتها التي قسمت ظهر القضية الفلسطينية وأسهمت مجددا في تكريس فكرة أن الفلسطينيين ليسوا بحريصين على أرضهم بالتالي لن يكون العرب أكثر فلسطينية منا ونحن نقدس هذه القيادة المترهلة التي أوصلتنا إلى حال لا زلنا ندفع ثمن تسوياتها وفسادها حتى هذه اللحظة، ناهيك عن التدخل السافر لعرفات في حرب الخليج الأولى ووقوفه إلى جانب نظام صدام ضد الكويت التي حملت على كاهلها هم القضية الفلسطينية.

     
ثم بدأت مرحلة أوسلو المتعطشة للمال والمنصب والبريق الخداع فأصبحت تحكم قبضتها الأمنية على أفواه الأحرار وبنادقهم وعلى أقلام المثقفين فامتلأت السجون بالمعتقلين الفلسطينيين ولكن هذه المرة بأيدي فلسطينية فابتعد العرب ونأوا بأنفسهم جانبا أكثر فأكثر ومع انبثاق السلطة ووزاراتها انقسم الفلسطينيون مجددا بين مؤيد لأوسلو وبين معارض لها تركز الأخير في أغلبه بأزقة المخيمات التي لاقت تهميشا فلسطينيا واضحا ولازالت تعاني الأمر الذي أوقعها في مهب الذهول وصحراء التيه ففقدت بوصلتها وبدأت تتفشى في أزقتها كل أنواع الأمراض الاجتماعية والأوبئة السياسية والظواهر المافيوية التي بدت واضحة للعيان خاصة في مخيمات لبنان وانتشار العدوى إلى خارج المخيمات الأمر الذي أدى إلى اشتباكات مع الدولة اللبنانية وتارة مع الشعب اللبناني وكأن لبنان بلدنا والشعب اللبناني لاجئ لدينا فاتسعت هوة الاشمئزاز والقرف من تصرفات الكثير من أبناء المخيمات. 
       
إلى أبعد من ذلك ومع انطلاقة ثورات الربيع العربي في أغلب البلدان العربية والتي انطلقت ضد الظلم والطغيان وطلبا للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية غاب صوت فلسطين عن هذه الثورات ووقف متفرجا ينتظر بعين المراقب هذا المد الجماهيري وكان الأمر لا يعنيه فنسي شوارع تونس والقاهرة ودمشق التي تدفقت بالهتافات والتبرعات والأغاني الثورية دعما لصموده في غزة وجنين على العكس وقف كثير من أبناء الشعب الفلسطيني وفصائله بمجملها مع الأنظمة العربية ضد الشعوب بحجة المؤامرة والفوضى الخلاقة  والتحق كثير من أبناء فلسطين بتنظيمات وتيارات مسلحة تقاتل جنبا إلى جنب مع الطغيان ضد الشعوب الثائرة فما كان من شعوب العرب بأغلبها أيضا أنها التفتت إلى مصيرها الوطني ومشاكلها الوطنية وغاب علم فلسطين مجددا من شوارع العرب، وخسر الفلسطينيون حاضنة العرب الشعبية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.