شعار قسم مدونات

خطر حزب البديل على الوحدة الألمانية

blogs حزب البديل

أتت في هذه السنة ذكرى الوحدة الألمانية في نسختها السابعة والعشرين في ظروف حساسة على إثر الزلزال السياسي المدوي في ألمانيا بعد تمكن اليمين المتطرف بعد سبعين سنة من العودة مجددا إلى عقر البرلمان الاتحادي، حيث حصد حزب "البديل" اليميني 13% من أصوات الناخبين في الانتخابات الاتحادية التي أجرت نهاية شهر سبتمبر الماضي. وصحيح أن هاته النتائج هي "مقلقة للغاية" حسب تعبير يوشكا فيشر، وزير الخارجية الألماني الأسبق، إلا أنها كانت متوقعة عكس ما ذهب إليه.

 

أيضا لم تكن هاته النتائج عقابا جماعيا لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ولا لغريمه الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهما الحزبين الرئيسين في ألمانيا، بقدر ما عكست قدرة حزب البديل الألماني العنصري على استمالة شرائح عريضة من المجتمع الألماني باللعب على وتر الحفاظ على الهوية القومية من الانحلال وضمان استمرارية العرق الألماني ونقائه حيث كان المُعبر الشرعي الوحيد في هاته الانتخابات عن توجساتهم من الآخر وخصوصا بعد استقبال ألمانيا لعدد كبير من اللاجئين من منطقة الشرق الأوسط وبخاصة من سوريا ابتداء من سنة 2015، وهي تخوفات نفّست عنها شعارات سطحية لهذا الحزب المتطرف الذي قدم نفسه من كونه بديلا من أجل ألمانيا، لكنه ما عدا اللعب على وتر التخويف المرضي من كل ما هو أجنبي لا يقدم الحزب أي أجندة سياسية متكاملة تحتوي بدائل اقتصادية واجتماعية بدلا من السياسة الحالية المتبعة.

 

 رغم هذه
 رغم هذه "الجدوى" الاقتصادية و"المنفعة" الديمغرافية لهاذه الأجيال الحالية من المهاجرين واللاجئين الشباب لا يزال ينظر إليهم، وبخاصة المسلمين منهم، بنظرة توجس وتخوف جمعي غير مبرر
 

فعندما فتحت ميركل أبواب ألمانيا أمام أفواج كبيرة من اللاجئين العرب معظمهم من الشباب والأطفال لم يكن هذا الحدث لحظة ضعف إنسانية أو خطأ تاريخي في التقدير السياسي يُعاقب عليه عند أول انتخابات سياسية بمنح الأصوات للمعارضة حتى ولو كانت يمينية متطرفة، بل كانت فرصة تاريخية اقتنصتها ميركل بكل واقعية وبرغماتية وجرأة نادرة فقط من أجل مستقبل أفضل لبلدها ولو على حساب مآسي شعوب أخرى، فهذا البلد الغارق في شيخوخته يحتاج ببساطة إلى دماء شابة جديدة لتسري في شرايين اقتصاده، حيث يبلغ تعداد ساكنته حالياً 82 مليون نسمة، ويُتوقع أن ينخفض هذا العدد إلى 65 مليون بعد أربعين سنة تقريبا، يضاف إلى هذا أن معدل الخصوبة الكلي فيه هو من أدنى المعدلات في العالم بأسره.

وبناء على كل هذا فالحضور الأجنبي الحالي أو حتى المستقبلي في ألمانيا هو كما يراه الخبراء ضرورة اقتصادية واجتماعية قصوى من أجل الحفاظ على معدل نمو اقتصادي مرتفع، وتغطية نفقات الخدمات الاجتماعية للدولة وبخاصة في قطاعات الصحة والرعاية الاجتماعية والتعليم، فقط عن طريق إعداد شباب مهني منتج يتم عبره زيادة الناتج المحلي في البلد وبالتالي زيادة المداخيل الضريبية يتسنى تلبية كلفة النفقات الاجتماعية الباهظة لهاته الدولة الصناعية من أجل الحفاظ على مستواها المتقدم في جودة الحياة. 

في يوم ذكرى الوحدة الألمانية وهو أيضا يوم الأبواب المفتوحة للمساجد في ألمانيا يجتهد مشرفو المساجد بإيجاد كيفية روتينية لدرء شبهة التشدد والتطرف بل والإرهاب عنها

لكن رغم هذه "الجدوى" الاقتصادية و"المنفعة" الديمغرافية لهاته الأجيال الحالية من المهاجرين واللاجئين الشباب لا يزال ينظر إليهم، وبخاصة المسلمين منهم، بنظرة توجس وتخوف جمعي غير مبرر إن لم أقل بكثير من الاستعلاء الحضاري لفئات عريضة من الألمان "البيض"، ويذكرنا كل هذا بالإهمال بل وبالتبخيس الذي يتعرض له حاليا الجيل الأول من المهاجرين الذين ساهموا بسواعدهم ودمائهم في إعادة بناء ألمانيا بعد خرابها في الحرب العالمية الثانية بل وتحقيق المعجزة الاقتصادية الألمانية، حيث لم يستنكفوا من مزاولة مهن شاقة ومتدنية اجتماعيا كان الألمان "البيض" يفضلون البطالة على مزاولتها.

ورغم كل هذا لم تسعى دولة الرخاء، ولو كخطوة رمزية، حتى إلى تأسيس متحف على مستوى الاتحاد يليق بالتضحيات الجسام لهؤلاء المهاجرين، وغياب مثل هاته المبادرات الرمزية هو نوع من نكران الجميل على المستوى المؤسساتي.

يوم ذكرى الوحدة الألمانية وهو أيضا يوم الأبواب المفتوحة للمساجد في ألمانيا، والتي أُسست معظمها في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي على يد الجيل الأول من المهاجرين المسلمين كمبادرات عفوية لإقامة شعائرهم الدينية والمداومة عليها، لكنها صارت الحلقة الأضعف في العلاقة بين الألمان "البيض" والمهاجرين "المسلمين"، حيث يجتهد مشرفو المساجد أثناء استقبالهم للزوار والضيوف في هذا اليوم ليس في التعريف بالدور الروحي والاجتماعي الذي تمارسه المؤسسة المسجدية وتقديم مشاريعها المفترضة في هذا الصدد.

وتسعى معظم إدارات المساجد بكيفية روتينية إلى درء شبهة التشدد والتطرف بل والإرهاب عنها، التي يأتي بها ضيوفهم كل سنة، حيث تعكس تمثلاتهم النمطية عن الإسلام والمهاجرين حلقة مفرغة لا نهاية لها ولا هدف لها سوى تكريس دونية متخيلة لهذا الآخر فقط لمجرد "غيريته" الظاهرية في تجاهل تام من كونه مواطنا ألمانيا كامل المواطنة له حقوق وعليه واجبات مثله مثل باقي المواطنين بغض النظر عن اختلافاتهم العرقية والدينية واللغوية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.