شعار قسم مدونات

كن سارقا لتصنع مجدا

Blogs-ideas
ترتبط السرقة غالبا في أذهاننا بسرقة الأموال والممتلكات المادية فقط، لكن الحقيقة أن سارق المال ربما كان دافعه فيه شرف عن سارق الفكر. قديما عرف العالم العربي السرقة لكن كانت هناك سرقات أكبر منها وهي السرقات الأدبية والشعرية التي تطورت في عصرنا حتى غدا أصحابها يقتاتون منها، بل والأكبر من ذلك أنها تكسبهم مكانة في المجتمع بسبب سرقات الأفكار التي يجمعونها من هنا وهناك.
           
بما تعجبك عبارة لفلان، فتأخذها لكن من الشرف ألا تنسبها لنفسك، فأصحاب الأفكار لا يتطفلون ولا يسرقون ولا يأخذون ما ليس لهم. إن فكرة مقال أو تدوينة أو تغريدة أو بيت شعر ليست بالسهلة فربما تقف الفكرة وتستعصي أياما وشهورا حتى تجد سبيلها إلى النور، ثم يأتي أحدهم فيأخذها بكل سهولة ويضع اسمه عليها، بل ربما نشرته له إحدى الصحف المشهورة أو المواقع ويتقاضى أجراً على ذلك، ثم يتفاخر بما كتب -عفوا- بما جمع ورتب.
         
لا أريد أن تصدم عزيزي القارئ بكل ما أذكره فهو حقيقة لم أكن أصدقها حتى قابلت تلك العينة من البشر الذين لا يأبهون بما يسرقون من أفكار وينسبونها لأنفسهم دون النظر إلى القيمة الأدبية التي يخسرونها ومصداقيتهم أمام من يقرؤون لهم. منذ عام وأنا أتعقب أشخاصا كنت أقرأ لهم فوجدت أنهم يكذبون فيما ينشرون أو يدونون ربما يجلس أحدهم فتحدثه بالحديث في أي قضية فترى جهله بها ثم باليوم الثاني تجد مقالا بإحدى الصحف يحمل نفس العنوان الذي تناقشت فيه بالأمس لكن المبهر والغريب في الأمر هو أن صاحب المقال نفس الشخص الذي لم يكن يعرف عنها شيئا بالأمس، فتتبعت ما كتب ثم أخذت جزءاً ووضعته في محرك البحث فإذا هو بالنص مأخوذ من أحد المواقع لكاتب آخر، فأخذت فقرة أخرى فوجدت مثل الأولى، حتى وصل الأمر إلى أن أخذت مقدمة المقال فإذا مسروقة هي الأخرى.
                

الأمانة التي ترفع إنسانا بأفكاره لا بأفكار غيره وبعلمه لا بنقله وبقلمه لا بقلم غيره وبأمانته لا بخيانته 
الأمانة التي ترفع إنسانا بأفكاره لا بأفكار غيره وبعلمه لا بنقله وبقلمه لا بقلم غيره وبأمانته لا بخيانته 
     

إن ما سرق قديما من الشعر وما تعرض له النقاد في القديم من الرواة الذين نسبوا الشعر لغير قائله لكن لم نجد شاعرا سرق قصيدة ونسبها لنفسه أو بيت شعر أو أقل من ذلك، ربما تكاملوا في المعاني وتناصوا في الأفكار ولكن لم نجد لقصيدة واحدة شاعران، إنما اليوم نجد للمقال الواحد أكثر من صاحب نسبه لنفسه، ليس بالأمر الصعب أن تكتشف كذب هؤلاء الأشخاص بل يمكنك بكل سهولة أن تأخذ جزءاً من المقال فتضعه في محرك البحث ليتبين لك من أين جاءت تلك الفكرة أهي من أب شرعي أم نسبها أحدهم لنفسه وأبوها حي لا يزال يبحث عن بنات أفكاره التي سرقها أحدهم ولا يبالي.

        
إن الأمانة العلمية في النقل والنشر والاستشهاد تقتضي أن ينسب القول لصاحبه، فمن هنا تكون الأفكار في مأمن من السرقة لكن الزمن الذي نعيشه ربما لابد أن تحفظ أفكارك في بنك حتى يسرقها أحد هؤلاء المنسوبين للمثقفين والمفكرين، الأمانة التي ترفع إنسانا بأفكاره لا بأفكار غيره وبعلمه لا بنقله وبقلمه لا بقلم غيره وبأمانته لا بخيانته وبمعرفته لقدره الحقيقي لا التباهي بما ليس عنده. النقاد قد أجازوا الاقتباس، لم احتبس فكره وجف قلمه وتساقطت أوراق عقله ولم يجد ما يعبر به عن مكنونات نفسه أن يأخذ بالقدر الذي لا يفرط في حق الغير وهي نسبة ضئيلة لا يمكن أن تدخل في السرقة فقد يستعصي على الكاتب أسلوبه فيقترض من غيره بما يعينه على إكمال فكرته.
               
من سرق عقل غيره أصبح كاللص يحاول إخفاء جريمته، لكن الآن صفحات الأخبار ومحركات البحث المختلفة تكشف هذه السرقات
من سرق عقل غيره أصبح كاللص يحاول إخفاء جريمته، لكن الآن صفحات الأخبار ومحركات البحث المختلفة تكشف هذه السرقات
 

"حقوق الملكية هي حقوق تتعلق بمختلف إبداعات العقل البشري الفكرية، وتكفل لأصحابها حق استغلال إبداعاتهم والتصرف فيها والتمتع بثمارها الاقتصادية، وتحميهم بقوة القانون من التعدي الذي يمكن أن ينتهك هذه الإبداعات، أي استخدامها من قِبل الآخرين دون رضا أصحابها وسابق إذن منهم (الجزيرة نت)، تنص "اتفاقية ستوكهولم" -التي أنشئت بموجبها "المنظمة العالمية للملكية الفكرية" عام 1967- على أن حقوق الملكية الفكرية تشمل الحقوق المتعلقة بكل ما يلي:
– المصنفات الأدبية مثل الروايات، والدواوين الشعرية، والمسرحيات، والكتب، والمقالات.
– المصنفات الفنية كالأفلام السينمائية، واللوحات، والمنحوتات، والمعزوفات الموسيقية سواء اقترنت بالألفاظ أم لم تقترن بها.
– التسجيلات الصوتية، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية.
– الاختراعات، والرسوم والتصاميم الصناعية، وبرامج الحاسوب.
– الأسماء والعلامات التجارية، وتسميات المنشأ (أسماء جغرافية تستخدم للدلالة على المكان والبيئة الجغرافية التي نشأ فيها المنتج).
– جميع الحقوق الأخرى الناتجة عن النشاط الفكري في المجالات الصناعية والعلمية والأدبية والفنية.

                 
ومع ذلك فأننا لا نقف لهم حتى لا ينشروا تلك السرقات ويزوروا الحقيقة من خلال أفكار لا يملكونها. إنني لا أفرق بين من يمد يده داخل حقيبتي فيسرق منها أم يكسر بيتا ليسرق ما بداخله وبين من يقطع الطريق ليأخذ ما ليس له، وبين من يسرق مقالا أو فكرة وينسبها لنفسه دون النظر لعاقبتها مستقبلا. أخيراً إن ما شهده العصر الحالي من التكنولوجيا والأدوات قد جعلت من الأدوات بيد كل ذي فكر أن يفرق بين الغث والثمين من الأفكار وبين من يكتب من عقله، ومن سرق عقل غيره فأصبح كاللص يحاول إخفاء جريمته لكن تفضحها صفحات الأخبار ومحركات البحث المختلفة. فكن سارقا للأفكار، لتصنع مجداً مزيفاً في مخيلتك فقط فالناس يعرفون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.