شعار قسم مدونات

الدين ممنوع.. صدق بقال حارتنا

Rohingya refugees are seen waiting for a boat to cross the border through the Naf river in Maungdaw, Myanmar, September 7, 2017.REUTERS/Mohammad Ponir Hossain
لطالما دخلت محالّ البقالة حين نعومة أظفاري لأقرأ تلك العبارة التي كانت تعلّق على الواجهات أو جداران المحلات، ثم أعود لتهجئتها مرارا؛ لكن تبقى النتيجة ذاتها! كل مرة أرى تلك الورقة البيضاء التي كتب عليها بالخط العريض (الدين ممنوع) أقف متأملا! ولطالما عجبت من ذلك البقّال الملتحي الذي ما كان له هجيرة إلا ألفاظ إسلامية توحي بأنه يحب الدين! لكن لماذا يعلق على الجدار أن الدين ممنوع؟! لتنتابني أفكار كثيرة حول السبب وراء تعليق هذا الكلام الخطير! هل البقّال مجبر على منع الدين؟! أم أنه يكره الدين؟!

ثم أتروى دقائق أتمعن في تلك العبارة التي تشرع تصارع حسن الظن في داخلي بذاك الرجل العجوز، رقيق القول، لطيف النبرة! كيف يقول إن الدين ممنوع وهو الملتزم، الذاكر لله، المحافظ على الصف الأول في المسجد؟!

سرعان ما قلبتني الأيام لأرى من نفسي نضجا دفعني للسخرية من ظني القديم الذي كان يجول في خاطري دون أن أفصح عنه حينها لسبب ما؛ ربما لأن تلك العبارة فيها إساءة للدين! أو لعل الأمر أن البقّال أكبر مني ولا يسعني إظهار عيوبه والطعن به؛ لتداعب سريرتي ذكريات الطفولة المضحكة؛ فقد صرت يافعا في كبرى مراحل التعليم الابتدائية وأظنه من المؤكد أن أولئك الأطفال في الفصول التي دوني لا تزال تراودهم ذات الخواطر الساذجة!

العالم جعل من الضحية متهما بذريعة مكافحة الإرهاب، فتكاتفت الأيدي مجتمعة عونا للظالم على قتل شعبه تحت مظلة محاربة الجماعات المتطرفة
العالم جعل من الضحية متهما بذريعة مكافحة الإرهاب، فتكاتفت الأيدي مجتمعة عونا للظالم على قتل شعبه تحت مظلة محاربة الجماعات المتطرفة
 
ثم تعاقبت الأيام والسنون ومضت بي إلى حيث لم يكن في حسباني؛ لتحل بي في ثورة هاجت بي وماجت قاذفة أمواجها بجسد العييّ عن مقامة عتيها إلى شواطئ وآفاق ما خالط طيفها مخيلتي يوما؛ مبصرا أمورا وأحداثا حجبها المستبد عنا لسنين، كما أفكار وآراء ما بين غث وسمين، وأد الطغاة جذوتها قبل أن تبصر عيوننا النور بعقود، أراني حيثما وجهت طرفي مبصرا مسلمين يذبحون ويقتلون فقط لأنهم مسلمون، فهنا أكثرية تقصف، وهناك أقلية تذبح، وفي ناحية أخرى جوع وقهر يفتك بالطفولة ويستغل براءتها لحساب حملات تبشير أو تنصير مدعية حماية حقوق الإنسان لأنه إنسان، فيما الحقيقة أنها سلبته حريته الفطرية في اختيار دينه بأيدي أرباب شعارات الحرية والتعددية الجوفاء هؤلاء!

لم أعد أعجب حينما يذبح الروهنغيا أطفالا وشيبا وشبانا في هذا العالم المزدحم بجميع أشكال الظلم والقهر، بل والحرب على المستضعفين من المسلمين، لكن ما يثير العجب كيف لا يخجل الاتحاد الأوروبي الذي ينادي بحقوق الأقليات ومحاربة الإرهاب حفاظا على العنصر البشري من رفض الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا الطلب التركي بمجرد مناقشة أوضاع مسلمي الروهنغيا بعد آلاف من الضحايا المدنيين الأبرياء بما فيهم الأطفال والشيوخ والنساء!

أي إنسانية هذه التي يدعيها "الحقوقيون" الذين ينادون بالمساوة ونبذ العنصرية صادعين بها ضد المسلمين، فيما ليس لهذه الشعارات مكان في أوساط يكون فيها المسلمون أقلية

على الرغم من اعتراف الأمم المتحدة ضمن تحقيقاتها لاحقا أن حكومة ميانمار شنت حملات ممنهجة لطرد مسلمي الروهنغيا، ذلك بعد سنوات من حملات الذبح والإجرام التي تمارسها الأكثرية البوذية الحاكمة، بل والمحتلة أساسا لإقليم ميانمار الذي كان دولة مستقلة اسمها أركان قبل عام 1784 ثم غيروا اسمه بعد احتلاله طمسا لمعالمه، فهل كلمة الأقليات التي ينادي المجتمع الدولي بحمايتها في كل محفل تعني عندهم كل البشر سوى المسلمين؟! أم أن المسلمين هم عنصر مستباح دون البشر في مستواه؟! أم كما يقول أديب إسحاق: (قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر، وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر)!

أي إنسانية هذه التي يدعيها أولئك "الحقوقيون" الذين ينادون بالمساوة ونبذ العنصرية صادعين بها ضد المسلمين، فيما ليس لهذه الشعارات مكان في أوساط يكون فيها المسلمون أقلية تقتل بدم بارد على أيدي أي كان، من جماعات إرهابية طائفية، أو تحت مقاصل عتاة ظلمة استحكموا برقاب الشعوب، خصوصا إن كانت هذه الشعوب مسلمة!

ليست سوريا فقط ذات الأكثرية المسلمة السنية التي تباد تحت وطأة صواريخ وعتاد الأقلية هي التي يقتل فيها المسلمون تحت مرآى ومسمع من العالم أجمع، هذا العالم الذي جعل من الضحية متهما بذريعة مكافحة الإرهاب، فتكاتفت الأيدي مجتمعة عونا للظالم على قتل شعبه تحت مظلة محاربة الجماعات المتطرفة؛ بل ثمة من يذبح كما النعاج لا سلاح له ولا شوكة ولا قبل له بقتل ولا قتال.

لقد حدقت حولي في الآفاق أرقب حال الشعوب المسلمة المقهورة في جنبات هذا العالم الفسيح حينما لم يأبه أحد لسحق معاني الإنسانية وسط حمامات وبرك من الدماء المسلمة البريئة؛ لتعود إليّ ذكرى الطفولة الأولى ولأعلم أن ذلك الفهم الذي ألهمتنيه براءة الطفولة لم يكن ساذجا البتة، ولأستيقن أن الدين "بل الإسلام" حقا ممنوع!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.