شعار قسم مدونات

وصايا جدّتي الغربية

blogs - جدتي

إن محاربة الإسلام ليست متمثلةً فقط في صورة الهجوم الصريح عليه؛ فهذا النمط اليتيم والتمرد الفج على ثوابت الناس لا يُجدي نفعًا كثيرًا في الغالب؛ فعادةً ما يثير الإنكار الصريح حفيظة الناس.

إذن: ما الأساليب المُثلى لأطوّر نفسي في مجال محاربة الإسلام؟
وكيف أستطيع محاربته دون أن أؤجّج حَمِيَّة الناس تجاه معتقداهم؟
هذا ما ستجيبك عنه جدَّتي الغربية في النقاط التالية..

1- اقطعْ الرأس؛ تتيَبَّسِ العروق:
يا بُنَي…
إن كنت تريد أن تفرح جدتك الحبيبة؛ فابدأ بهذه الخطوة. هاجم الأشخاص الذين يحملون همّ الإسلام، وشنّعْ بكل مَن يتبنى مشاريعه. أَظهرْ دمامة من يسعون إلى تمكينه، أيًّا كانوا وأيًّا كانت رُؤاهم؛ لأن المحمول قائمٌ بقيام حامله، وإسقاط الحَمَلَة؛ إسقاطٌ لهذا الفكر الذي يحملون؛ فالأفكار لا تعيش مُعلَّقةً هكذا في الهواء دون رموز ترتبط بها. وظيفتك يا عزيزي: إبادة هذه الرموز.

عزِّزْ هجومك بمصطلحات صابونية. انطقْ بكلامٍ يقول كلَّ شيءٍ ولا يقول شيئًا. اكتسب الخصائص الفيزيائية للموائع، ناسِبْ أيَّ وعاء، ولَائِمْ أيَّ زاويةٍ تُحشر فيها.

2- إذا ضاق الأمر؛ اتسع:
لو استعصى عليك مطلق الإبادة؛ لا حرج عليك، فلا يكلّف الله نفسًا إلا وُسعها! أسعدْني بما تفرضه حدود طاقتك، اِلْمِزِ القائمين على الإسلام بالمداهنة، أو التقصير، أو التسييس، أو الرياء. لا تلُمْ نفسك يا صغيري، لا تلم نفسك لكونك لم تستطع أن تبيدهم بالكامل؛ فحالي معك؛ ليست كحالك معهم. أنا أحبك وأعطف عليك، وأقدّر منعك إياهم بما تستطيع، هذا وحده فخرٌ حقيقيٌّ لي.

3- كن هُلامًا زئبقيًّا:
عزِّزْ هجومك بمصطلحات صابونية. انطقْ بكلامٍ يقول كلَّ شيءٍ ولا يقول شيئًا. اكتسب الخصائص الفيزيائية للموائع، ناسِبْ أيَّ وعاء، ولَائِمْ أيَّ زاويةٍ تُحشر فيها. هاتِ كلامًا يحتمل معانٍ كثيرة؛ معانٍ يحبها الناس؛ لكنها -دون شك- ليست المرادة. اصنعْ إرهابًا، ثم حارِبْه، وإياك أن تضع له تعريفًا منضبطًا، دَعْهُ مطاطيًّا، وأدخلْ فيه كل مَن يخالفك. لا تنطلق من مناهج محددة المعالم، وبالتالي: لن يتمكن أحد من محاسبتك. اِهْذِ بلا ضابط، اِلْعَقِ اليوم ما قِئْتَهُ بالأمس، ولا مانع من أن تتناقض أحيانًا يا حبيب جدَّتِك. دَارِ هذا التناقض بستار (المراجعة العلمية)، ولا تخجل منه؛ فأعمالُنا بنِيَّاتنا.

4- اتفق في العموميات واختلف في التفاصيل:
الحرية، العدالة، الحقوق، رد المظالم. الكرامة الإنسانية، القانون والانضباط، التنمية. تعزيز المستوى المعيشي، الصحة العامة، محاربة الإرهاب. قد خاب وخسر مسعاك إن جعلتَ أحدًا يسبقك إلى الثرثرة بكل ذلك! أنت المنقذ المنتظر لتحقيق تلك الأهداف يا بَطَلِي. لا تنسجم مع تفاصيل أحد، فنحن لنا رؤيتنا الخاصة بنا حول تلك المفاهيم، مع ذلك؛ كن حريصًا على عدم الخوض في جدالٍ معهم حولها، لا تسمح لأحد أن يستفصل عن قصدك، وكلما أكثرَ هو السؤالَ عن التفصيل؛ أكثرتَ أنت الإجابةَ بالعموم.

5- كن جَيَّاش العواطف:
ألِّفِ الخطابات العاطفية، العبْ على هذا الوتر جيدًا يا صغيري؛ فمعظمهم يفكّر بقلبه لا بعقله. خاطبْهم بما يحبون، هَيِّجْ مشاعرهم، ثم دُسَّ فيها ما تريد. استعملْ ألفاظًا حماسيّةً؛ كسيادة الأمة، وقداسة النص، والدستور القرآني، فما دُمْتَ لا تعني ما تقوله منها؛ فلا مُشاحَّةَ عندي في ذِكْره إن كانت مصلحتنا تقتضيه.

6- ابحث عن شذوذات علمائهم:
أمامك تاريخٌ كبيرٌ أيها الفتى! نقِّبْ فيه جيدًا، هل من المعقول ألا تجد فيه مَنْ أحلَّ حرامًا هنا أو هناك؟! منذ متى كنّا أعلم بالدين من فقهائنا الكرام؟! حاشا وكلا أن نكون كذلك! إنما لهم الرأي ومنّا الطاعة! أما عن انكشاف أمرك؛ فلا تقلق أبدًا من هذه الجهة؛ فأنت أمام قومٍ لا يطالعون فقهًا ولا تاريخًا، وإن أحدَهم إلى الناعق الأعلى صوتًا؛ لَأسبق!

قارن التطور العلمي عندنا بضحالتهم المعرفية. تكلم عن مركزية الحضارة، والتطور المعرفي.  كن ببغاءً نشيطًا، تكلم عن كل شيء، في كل وقت، وفي كل مكان.

7- ثَرْثِرْ حول مفهوم التجديد الفقهي:
غيّر مناهج تأويل نصوصهم؛ فإنها تتصادم تصادمًا صريحًا مع مفاهيمنا التي نؤمن بها؛ لكن: تجنَّبِ التصريح بذلك؛ فهذه تميمةُ فوزك في هذا السباق.هل تتذكر تلك النظرة البريئة التي كنتَ ترمقني بها متودّدًا؟ قُل لهم بتلك النظرة: إني لكم ناصحٌ أمينٌ.

لكن: ماذا عن البديل؟
البديل موجودٌ طبعًا، لدينا مناهج تأويلية عصرية في تفسير النصوص، وهي مناهج تُغنينا عن تلك المناهج العتيقة، والأهم: تذوّب أحكامهم في تصوراتنا؛ فالصلاة مجرد دعاء، والرجم حكمٌ لا يثبت، والحجاب ظنّيُّ الدلالة، وقَتْل المرتد ظنّيُّ الثبوت…
ثم لا تَنْسَ أنْ ترميَ كل مَن يُعارضك بجرائم الوصاية العقلية، والإقصاء الفكري.

8- قارن كثيرًا:
اُنْشُرِ احصائياتنا حول تناقص الجرائم بواسطة قوانيننا؛ ثم قارنها بالحال عندهم. اسْتَثِرْ حبَّهم لحضارتنا المادية. ضَعْهم في صدامٍ مع ثوابتهم. ثم اجلسْ بعيدًا، بعيدًا جدًّا، واستمتع بالمشاهدة. قارن بين أوروبا في عصر الظلمات وبين بلادهم في هذا العصر. تكلم عن سلطة الكنيسة، وقارنها بولاية الفقيه. تكلم عن صكوك الغفران، وقارنها بأحكام التكفير. أسقِطْ هذه على تلك ولا تُلْقِ لِفارقٍ بالًا. إذا ظهرتْ فجواتٌ ما في السياق؛ فلا تتوانَ عن تغطيتها بما يلزم منه عدم الانفضاح. زاحم بإشكالاتك إشكالاتهم، فإن لم يجيبوا عنها؛ كنتَ رابحًا من جهة عجزهم، وإن أجابوا عنها؛ كنتَ رابحًا من جهة صَرْفك عن إشكالاتهم.

9- ثم قارن (مجددًا!):
قارن التطور العلمي عندنا بضحالتهم المعرفية. تكلم عن مركزية الحضارة، والتطور المعرفي، تكلم عن المطارات والطائرات، وعن البنايات الشاهقة، والسيارات الفارهة، والأجهزة الإلكترونية. كن ببغاءً نشيطًا، تكلم عن كل شيء، في كل وقت، وفي كل مكان. تكلم عن آنية الغرب، ونوافذهم، ومطبَّاتهم، بل حتى نفاياتهم ومراحيضهم. والأهم من ذلك كله: أن تربط ضعف المسلمين ملمِّحًا -بشيء من الإبهام- أن الإسلام هو السبب. دَعِ الهوّة العلمية التي يخلّفها وصفك لحياتهم تعمل عملها في عقولهم، وتذكّرْ قاعدتنا الذهبية: جدّتُك لا تُصرّح بشيء. جدّتُك تحب أن تظل ثيابُها نظيفةً دائمًا.

10- أسهمْ في تكوين كِيانات هجينة تشاركنا الأهداف الكبرى:
لا يمكن لنا أن ندعم الديموقراطية بصورتها التامة بكل تأكيد، هذا أمرٌ مقطوعٌ فيه؛ لأن تلك الشعوب -مهما عَظُم جهلها وضلالها-؛ فإن الإرث الإسلامي المتوغّل فيها، مع كل ما قمتُ به للحدِّ منه، وكل محاولاتي لعلمنتها، وشَيْطنتي للتيارات الإسلامية جميعها؛ سيجعل كثيرًا منهم يصطفّ -بدرجة أو بأخرى- إلى جانب الاختيارات الإسلامية. وهذا يُحزن جدّتك كثيرًا؛ لذلك: عليك أن تسمح فقط بكيانات عسكريةٍ مستلَبة، أو مسوخ علمانوإسلامية مشوَّهة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.