شعار قسم مدونات

اتركونا ننتمي لخرابنا.. خرابنا الحر

blogs - aleppo
ثمة شيء ما في واقعنا يستحق البكاء ولكن تلك مهمة الآخرين الذين يجيدونه، فقد جفت دموع السوريين من حجم المآسي والكوارث التي حلت وما زالت مستمرة دون توقف، فمن فقد أخاً ينشج عليه مرة ومن ثم يفقد قريباً فيعاود البكاء عليه تارة أخرى، ولكنه بنفس الوقت سيقف شامخاً رغماً عنه عندما يفقد جميع أسرته.

لا تكاد تفارق مخيلتي صورة المدارس المدمرة بعد مجزرة بلدة حاس في ريف إدلب الجنوبي التي ألقيت عليها أكثر من 20 صاروخاً على أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و15 عاماً، كانوا ينتظرون جرس العودة إلى منازلهم حيث أن أهاليهم يعدون لهم وجبة الغذاء.

ماذا كان يخطر في ذهن الطفلة بيسان ابنه العشرة سنوات وهي تمسك قلمها وتتأمل طبشورة مدرستها وهي تعطيهم درساً عن الحلم بوطن يسوده الأمان والطمأنينة، بينما لم ينتظرها صاروخ القيصر بوتين أكثر من دقيقتين حتى أرداها صريعة على أبواب مدرستها وبيدها حقيبتها التي أبت أن تتركها وتشبثت بها كما نتشبث بهذه الأرض.

كيف ينام ويصحو أهالي داريا وحي بابا عمرو الحمصي وهم يعيشون في أرض غريبة وفي خيام بعيدة ولا يزال في مخيلتهم قبور أطفالهم وذويهم تحت الأنقاض وفي أطراف المدن، وجحافل جنود السلطان ما زالت تتفاخر بنصرهم المؤزر على أنقاض المدن المنسية وعلى أبناء وطنهم العزل، بأي وطن يحلم هؤلاء بعد كل هذا الخراب؟!

نسبة الدمار والخراب وبقعة الدماء تتزايد كل يوم بفعل حلف الممانعة والمقاومة وحلفائهم من الفرس والروم، بينما مدينة حلب التي تم تهجيرها على أنقاض شعبها دليل دامغ على أنه من المستحيل على أي شعب أن ينتصر بثورة على جلاديه لكي لا يتشجع شعبا آخر.

وهل من يعيد لأهالي بلدة بسيدا الوادعة التي تقع في أقصى ريف إدلب الجنوبي ذكريات طفولتهم وألعابهم التي كسروها على أدراج منازلهم المدمرة، قصص العشق التي رسموها بين ثنايا حقولهم الريفية ومنازلهم البسيطة، وذلك بعد هدم جنود الوطن منازلهم وقاموا بتجريفها بشكل كامل، حتى أضحت كبلدة قرع الموت على أبوابها وأضحت كمدينة أشباح لا ترى فيها سوى القطط والكلاب ليلاً.

من يعيد لأبو العبد ذلك الرجل العاجز الذي فقد ساقيه وأبنائه الاثنين وحفيده بعد أن غطاهم بغطائه ورقد بجانبهم حتى الصباح يتأمل أجسادهم المستلقية على الأرض، يتحسس أقدامهم وأيديهم يلقي نظرة الوداع الأخيرة عليهم، يتذكر مسارح طفولتهم، مقاعد مدارسهم، حيث أن طيران النظام خطف أرواحهم وأحال من العيش بين الأب وأولاده.

لا بد لتلك المشاهد أن تصرخ في وجه الإنسانية وأن تبصق عليهم في الشاشات ويرتفع صوتها عالياً في ميادين الأحرار وساحات الحرية، أي أننا نحن هنا نموت بصمت رهيب وسط تخاذل وتآمر ليس له مثيل فقط لأننا هتفنا ضد ديكتاتور(الله سورية حرية وبس).

تجري كل هذه القصص المفجعة بينما يكشر قاتلهم عن أنيابه ويقول بأنه لا يملك أي حل سياسي مع شعبه سوى بالعفو عنه، حتى نطق للعلن حليفه الروسي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأنه لولا روسيا لسقطت دمشق خلال أسبوعين بينما أخفاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما فلولاه لما بقي الأسد ساعتين. فلا بد للظالم أن ينعمه بظلمه تارة ويحرقه تارات أخرى والأيام دول فلا أن تشق للمظلومين درب نصرهم.

نسبة الدمار والخراب وبقعة الدماء تتزايد كل يوم بفعل حلف الممانعة والمقاومة وحلفائهم من الفرس والروم، بينما مدينة حلب التي تم تهجيرها على أنقاض شعبها دليل دامغ على أنه من المستحيل على أي شعب أن ينتصر بثورة على جلاديه لكي لا يتشجع شعبا آخر على القيام في دولة أخرى، فهذا هو قانون الطغاة في تخويف الشعوب ولكي تكون الثورة السورية درساً قاسياً لكل من تحدثه نفسه في أن يقول لا للظلم..لا للعبودية ..لا لاستمرار الديكتاتورية.

سيسجل التاريخ في صفحاته ما جرى من تخاذل وتآمر على الشعب السوري وثورته وسيذكر مدى الخراب والتكلفة الإنسانية الباهظة جزاء المطالبة بحريته وسيذكر المؤرخون وناشطو حقوق الإنسان كما ذكروها في رواندا وسربنيتشا وغروزني، ولكن لا بد لليل الطويل أن يبزغ النور ويتنفس السوريون فجرهم وهم الذين ما زالوا يعانون من جرحهم الغائر الذي يندمل بعد.

جميعنا الآن بلا أهل أو أرض وطن أو حبيبة قد نفقد أرضاً أو أخاً أو قدماً أو بندقية ولكننا ما زلنا ثواراً نطالب بحريتنا حتى ننالها ولذلك نطلب من أصدقائنا المفترضين الذين لم نسمع منهم سوى الوعود الفارغة ودموع التماسيح ومن أعدائنا الذين يلقون علينا حممهم بأن يتركونا فقط ننتمي لخرابنا..خرابنا الحر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.