تعددت التعريفات وكثرت المصطلحات في تحديد ماهيته، فبعضهم اعتبره ذلك القارئ النهم الذي استغرق حياته وهو يجول بين العقول ويتنقل بين السطور، واعتبره البعض ذلك الأكاديمي الحاصل على شهادة مختومة بتوقيع الجامعة، وبلا أدنى شك فإن التعريف الأكاديمي للمثقف تعريف سطحي ولا أريد أن أستغرق في مناقشة التعاريف فهذا ليس موضوعنا لكن يمكننا القول: إن المثقف صاحب العلاقة هنا هو القارئ الذي يعيش روح عصره ويعلم ما يجري حوله ويساهم عبر كلماته في بناء الرؤى وصياغة المفاهيم ووضع الأفكار والنظريات. ويكمن دوره في التساؤل والتفتيش وتحليل الظواهر والأحداث، ولذلك فليس بالضرورة أن ينتمي لطبقة معينة، وإنما يتحدد دوره تبعا للإنتاج الفكري.
ما تقوم به الأنظمة الديكتاتورية، هي أنها تستخدم المثقفين المأجورين كورقة رابحة وترسل الآلاف من الرافضين في رحلة خلف الشمس. |
أين الإشكالية في تلك العلاقة؟
الإشكالية التي تواجهنا، أن أي سلطة لا بد أن تقوم على ثقافة معينة، فكما أنه لا سلطة بغير ثقافة فلا ثقافة إلا ولها أوجه من أوجه السلطة.. لأن النظام القائم لا يمكنه وضع سياسة معينة من دون أن يضفي عليها الشرعية، ومن هذا المنطلق تقوم الدولة باستقطاب المثقفين وأدلجتهم وفق ما تريد (لتنتج الدولة الثقافة والمثقف في آن معا).
ويفترق المثقفون إلى صنفين؛ الصنف الأول مهمته التسبيح بحمد السلطة والثناء عليها وإصباغ صفات المنعم. والصنف الآخر: هم المثقفون الذين رفضوا التصفيق واختاروا المواجهة ليقوموا بعملية الرفض والنقد، مما يولد صراع الأضداد، ومن هنا نشأت العلاقة السببية بين قلة الوعي والاستبداد.
قال سبحانه حكاية عن قوم فرعون "فاستخف قومه فأطاعوه"، وهذا بالضبط ما تقوم به الأنظمة الديكتاتورية، تستخدم المثقفين المأجورين كورقة رابحة وترسل الآلاف من الرافضين في رحلة خلف الشمس.
وعطفا على ما سبق، فإن على المثقف المعاصر أن يمارس دوره في عملية بناء الأفكار ونقدها بحرية تامة دون أن يكون هناك رادع من سلطة أو حكومة، فعليه أن ينتقد المجتمع والأشخاص والأفكار والأشياء والدولة والسلطة والحاكمين والمحكومين.. على أن يكون نقدا بناءً يساهم في طرح الإشكاليات والجواب عليها دون الاكتفاء بمجرد التنظير.
وطالما أن السلطة في العالم العربي هي المنتج الأول والوحيد للثقافة التي تريدها فإن إمكانية النهوض في عالمنا تبدو بعيدة اللهم إلا إن رسمت السلطة شكل تلك النهضة ومسارها.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.