شعار قسم مدونات

من فصول تلاعب العسكر بالإخوان

مرسي والسيسي
ربما كان أكثر المواقف استخداما للتندر على قيادات جماعة الإخوان في حكمها على عبد الفتاح السيسي حينما تم اختياره وزيرا للدفاع، مقولة "كان بيعيط (يبكي) في صلاة الظهر"، "دي مراته منقبة".. وهي مقولات رغم عدم معرفتي بدقتها أو ثبوتها يقينا فإنها وغيرها من العبارات النقدية المتداولة في أوساط الإخوان عن طريقة تفكير قيادات الجماعة في الرجل ومن حوله.

ليست هي الحالة الوحيدة، فثمة واقعة أخرى كنت شاهدا عليها ومتيقنا منها تستحق أن تروى كواحدة من فصول حكايات العسكر والإخوان في مصر
 

تعود بداية فصول الحكاية إلي إحدى ليالي العشر الأواخر من رمضان/أغسطس 2012 وتحديدا فجر اليوم التالي لإعلان التغيرات الكبيرة التي طالت المجلس العسكري بتغيير وزير الدفاع وعدد آخر من أعضائه المشهورين، حينما كنت على موعد مع مشهد أثار استغرابي حينها وتضاعف بعد ذلك مع التفاصيل.

بعد ذلك بنحو عام كان الرجل المقرب من الإخوان مشاركا وقت خطاب عبد الفتاح السيسي الذي أعلن فيه الانقلاب على مرسي

كان المشهد عقب صلاة الفجر بأحد مساجد منطقة جناكليس بالإسكندرية، إذ كان ثمة رجل يهنئه بعض الحاضرين من قيادات الإخوان بحرارة، وعندما سألت حينها عن هذه الشخصية التي تحظى بهذه الحفاوة وتتلقى التهاني قيل لي إنه "اللواء أسامة الجندي أحد قيادات القوات البحرية وقد اعتاد حضور مقرأة (أي حلقة تلاوة قرآن جماعية) كل يوم في الفجر داخل المسجد مع بعض رواد المسجد ومن بينهم قيادات في الإخوان، وهؤلاء الأشخاص يباركون له حصوله على منصب قائد القوات البحرية بعد التغيرات التي أعلنت، ومن ثم الرجل سينتقل للفيلا المخصصة لقائد القوات البحرية في أحد أرقى الأحياء بالإسكندرية".

أثار الأمر دهشتي ليس لأن الرجل حريص على جلسات القرآن، ولكن لطبيعة موقع الرجل وسكنه وطبيعة المسجد، فالرجل يسكن على مسافة تقرب من أربعمئة متر من المسجد ويمر في طريقه للمسجد على ثلاثة مساجد، اثنين تابعين للأوقاف وآخر "مسجد أهالي" أسفل منزله مباشرة، ومن ثم فالرجل تعمد أن يحضر الصلاة في هذا المسجد خصيصا، وهو يتولى أحد مناصب الصفوف الأولى في الجيش.

ووفق خبرتي في تغطية هكذا ملفات فإن مثل هؤلاء يتجنبون الصلاة في مساجد مثل هذا بشكل متعمد، أما المسجد فهو من أشهر المساجد في الإسكندرية من حيث نوعية القيادات الإخوانية التي تحضر الصلاة فيه، وبعضهم عضو بمجلس الشورى العام للجماعة ومكتب الإرشاد، وبعضهم في المكتب الإداري، وبعضهم قريب من مؤسسة الرئاسة حينها.

تجاوزت الأمر ومضيت في طريقي ولم أعره اهتماما كبيرا خاصة وأن غرض زيارتي للمسجد لم تكن صحفية ولم أر في أمر التهنئة حدثا قد تحدث بسببه كوارث أو مصائب إذا لم ينشر حينها.

لكن بعد ذلك بنحو عام كان الرجل مشاركا وقت خطاب عبد الفتاح السيسي الذي أعلن فيه الانقلاب على مرسي، ثم بعد ذلك نُسب للرجل مشاركته في أحد التسجيلات التي أذاعتها قناة "مكملين" الفضائية عندما كان اللواء ممدوح شاهين يحاول تكييف موقع احتجاز الرئيس السابق محمد مرسي قانونيا بالقاعدة البحرية في أبي قير بالإسكندرية.

هذا الأمر دفعني لأتقصى وأعرف ماذا كانت طبيعة علاقة الرجل بشعبة الإخوان في هذه المنطقة، فإذا بي أعرف من مصادري بالإخوان أن الرجل كانت تجمعه علاقة بهم منذ ما بعد الثورة مباشرة، بمبادرة منه. 
 

ووفقا للمصدر الذي فضل عدم الإشارة إليه فإن الرجل "بادر وأرسل سيارة مكرونة بعد الثورة بفترة بسيطة للإخوان من شركات الجيش لتوزيعها على الفقراء أو بيعها لهم بـأسعار مخفضة في الأسواق الخيرية التي كان ينظمها الإخوان أسبوعيا" ولا أعرف تحديدا كيف كانت آلية العطاء أو التبرع حينها.

أما حينما تولى الرجل منصبه كقائد للقوات البحرية، فقد أرسل الإخوان له خطابا رسميا باسم أحد الجمعيات الأهلية لتنظيم رحلة للأطفال للقاعدة البحرية برأس التين بمناسبة احتفالات أكتوبر، فما كان من الرجل إلا أن اهتم ووافق على هذه الرحلة الإخوانية، قبل أن يقرر الإخوان إلغاءها لأسباب لا أعرفها وفضل المصدر عدم ذكرها. 
 

ويبدو أن مبادرة الرجل بالتودد للإخوان وسعادتهم بهذا الأمر دفعت قياديا كانت تجمعه صداقة شخصية بالرجل، أو هكذا بدت للقيادي، ليتصل بالرجل ليلة الثالث من يوليو/تموز 2013 ليسأله "أنت موافق على اللي بيحصل" فقال له "أنا ورا القيادة بتاعتي" وفق تعبير المصدر.
 

قيادات كثيرة في الجماعة لم تكن تعتمد إلا على البحث في الخيرية الدينية الشكلية لتبرير اختياراتها وقراراتها

لذلك فإذا كان ما يتم تداوله عن السيسي قد يكون تندرا أو من قبيل المبالغة من أحدهم، فإن هذه الرواية السابقة متيقنة وتبدو الفصول فيها ممتدة عدة سنوات في علاقة الرجل بالجماعة، وهي برأيي تكشف كيف أن قيادات كثيرة في الجماعة لم تكن تعتمد إلا على البحث في الخيرية الدينية/الشكلية لتبرير اختياراتها وقراراتها، وهو ما يعكس وجها أعمق من وجوه هيمنة الدعوي على السياسي، وعن أزمة تغليب معيار الولاء الشكلي المعتمد على التدين فقط على حساب الكفاءة المهنية والإجرائية عند الحكم أو الاختيار. 
 

ولا عجب في ذلك، فقيادات المجلس العسكري حينما قررت التلاعب بجميع خصومها استخدمت شكل وخطاب كل طرف أرادت خداعه واستمالته سواء أكان الإخوان أم مناوئيهم من التيارات الأخرى، لكن الشاهد في هذه الواقعة أنها تخبرك بالطريقة التي تفكر بها هذه الأجيال من قيادات في الإخوان التي اقتحمت حقل السياسة بأفكار الدعاة، فأضاعت الدعوة وأضاعت السياسة، فضلا عن عدم إدراكها حجم التغيير التكنولوجي/الشبابي الذي يجتاح العالم يوميا ويساهم في تغيير أفكار وآمال وتطلعات ورؤى الأجيال القادمة، ولا ترى أهمية لفكرة التخصص، فهؤلاء تربية عصور شمولية، يرى فيها الفرد أن شمول الفكرة يقتضي شمول العمل، على الرغم أن شمول الأفكار أو الرؤى يتطلب التخصص والمرونة والتكامل والتناغم بين المتضادات.

لكن هل هذا يعني أن قيادات التيارات الأخرى كانوا أفضل حالا؟ وفقا لمعلومات موثقة، قطعا لا، فالتيارات الأخرى في الإسكندرية بدورهم قبلوا تودد العسكريين لهم وبعضهم كان له تاريخ في النضال وهتف ضد "حكم العسكر".

وتشهد على ذلك إدارة المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية التي ضمت اجتماعات بعض هؤلاء في إطار التمهيد للإطاحة بالإخوان واحتفالات الإفطار التي كان ينظمها العسكريون للصحفيين وبعض النشطاء في الإسكندرية، هذا فضلا عما هو معروف ومتداول وبات معروفا للجميع من تحالف العسكر مع تيارات مدنية لتنفيذ الانقلاب، ولكن الحديث عن هذا تفصيلا سيكون في مرات قادمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.