شعار قسم مدونات

قصتي مع الكتابة، وما أخشاه

blogs - piiin

قبل الشروع في الكتابة حدثت نفسي كثيرا فيما أريد قوله، لا بد أن أصنع فكرة مذهلة تجعل الجميع يقرؤونها إلى آخر سطر دون الحاجة لممارسة رياضة القفز على الكلمات، هي المرة الأولى التي أتردد فيها بهذا القدر.. أول مرة تستولي علي فكرة هل هناك قيمة لما أكتبه؟
 
 

أدركت أن بين صفحتي الشخصية على الفيسبوك وبين منزلي تشابها كبيرا.. هي منزلي ولكن بلا جدران لكني آخذ حريتي فيها أكثر فيما أكتب وأسطر..  لكني حين أزور منازل الآخرين فأنا ملزمة بالكثير من عدم الحرية والتلقائية.. مدونات الجزيرة، والدخول الأول لي في عالمها قلت في نفسي. يجب أن تتحدثي بعمق يصل للجميع وبغموض لا يعجز عن الفهم.
 

كل مرة أكتب ما أريد.. لكني اليوم أحاول أن أكتب ما يريدون؛ فكان هذا التردد والعجز.. فكرت في أن لا أكتب.. وأن أكتفي بالبقاء في منزلي دون الحاجة لزيارة منازل الآخرين، فربما موعد الزيارات لم يحن بعد.. حاولت البحث عن سبب آخر وقلت ربما هي الدائرة التي يخشاها الكاتب، بين محاولة إرضاء نفسه، وإرضاء القارئ..

ولوهلة ودون استدعاء خطرت أمامي  كلمة استيفن كينج: "لا تكن مدعيا" فكانت كمن يمسك بك من كتفك بقوة وهو يحاول أن يمنعك من الرحيل.. يا لها من كلمة بسيطة وساحرة…. وصادقة. 
 

تلامست مشاعر الغيرة لدي مع الرغبة، فطرقت الأبواب المؤدية لهذا، استخدمت جهازي المحمول، وقمت بالكتابة في محرك البحث غوغل، كيف يمكنك أن تصبح كاتبا محترفا؟

أدركت حينها أن الموضوع أبسط مما تصورت وغير مطلوب مني سوى ألا أظهر التعمق الفارغ من المعرفة، وألا أشتت ذهن القارئ في محاولة إيقاعه في فكرة الجمل المترابطة، التي لا تحمل من الحقيقة سوى: يا جماعة أنا هنا أكتب بشكل مدهش.. فصفقوا.. ولذلك وجدت من المجدي أن أكتب لقارئي هذه التجربة البسيطة والعابرة، وها أنا أكتب لكم ما مررت به، وما فكرت فيه مع أول تدوينة لي.. ربما لا يحمل من المعرفة الشيء الكثير، لكنه قد يفيد من لم يخض تجربته الأولى في زيارة بيوت الآخرين.. 
 

الكتابة وخوضي بها لم تكن في سياق الصدفة، أو موهبة امتزجت مع لبن ثدي أمي، بل هي موجة سرت بالنسبة لي عبر مراحل، كانت بدايتها في المدرسة لكن عبر أثير معين، وهي الغيرة.. كنت فتاة نشيطة، وفعالة في الدائرة الثقافية في المدرسة، إلا أني لم أجد أبدا كتابة أي شيء، أمقت التعبير وحصته. 
 

لدي صديقة مقربة هي تلك النسمة الهادئة، صاحبة الصوت المنخفض، والحس المرهف، كانت تذهل الجميع بما تكتب، إطراء الجميع وتصفيقهم جعلها تتميز بشكل ملحوظ؛ الشكل الذي جعل مني إنسانة تتلمس الطريق، تلك الطريق التي ستجعل مني صاحبة القلم المقروء.

حين تعتري الغيرة قلب أحدهم، تتحول إلى شيئين: إما إلى طاقة تغيرك، فتبحث عن ما يمكن أن يرفعك، أو إلى نار تشعل جوارحك فتؤذي روحك وكثيرا من الأرواح.
 
وهنا تلامست مشاعر الغيرة لدي مع الرغبة، فطرقت الأبواب المؤدية لهذا. لا أخفي عليكم أني فورها استخدمت جهازي المحمول ففتحت محرك البحث غوغل، وقمت بالكتابة في محرك البحث: كيف يمكنك أن تصبح كاتبا محترفا؟

كانت الأمور التي قرأتها جنونية، عناوين مشتتة، نصائح لم أفهمها، قيل إنه يمكنني أن أصبح كاتبة في خمسة أيام.. تزاحمت الأفكار في مخيلتي، وكثرت التساؤلات، وتراكمت تلك المفاهيم العجيبة التي قرأتها، أقفلت جهازي المحمول حينها بخاطر مكسور، فتداولت الحديث مع نفسي، في كلمة واحدة، أنا لن أستطيع الكتابة..!! 
 

قلت في نفسي كم أمقت صديقتي تلك، بدأت وكأني أكرهها، وكأن الله ما خلق القلم إلا بيدها، أتذكر تلك الليلة التي اشتعل بها قلبي غيضا وحسدا وكراهية، تلك الأفكار التي لم تترك لجفني مساحة لراحة النوم، أشرقت شمس الصباح في تكاسل، حيث إن الوقت في ذاك اليوم سلك طريق البطء الشديد. 
 

تجردت من غيرتي وساندت صديقتي وقرأت، تجاوزت كل شيء وما زلت أحاول التجاوز، إن العقبات التي نمر بها تتحول لذكرى، وفكرة يتداولها الجميع

ها أنا الآن أرتدي حقيبتي متجهة إلى المدرسة بتفكير منهك، وقبل أن أخطو خارج المنزل، سألت أبي حينها: كيف يصبح الشخص كاتبا؟
تبدو علامة الاستغراب ظاهرة على وجهه، لكنه بكل هدوء أجاب فقال "اقرئي اقرئي لا غير".

القراءة ذاك الزاد، الذي يمنح الإنسان طاقة في تجاوز كل شيء، القراءة الإكسير الذي يحتاج إليه الفكر للاستمرار في فهم الأمور وإتقان مفاهيم الحياة والمقاصد المبهمة، ستجد في القراءة أحداثا تشابهك وتفاصيل هي أنت، ومشاعر تجعلك تهتف "نعم هذا ما أشعر به وما أريد قوله".

لا أنسى ذاك الشعور الذي عشته في تلك الفترة، في رغبة أشعلتها الغيرة، وتحولت إلى روح جديدة مرافقة لي، أدركت أن الإنسان يستطيع أن يصبح ما يشاء ويكتسب المهارة إذا امتلك العزيمة والرغبة.

تجردت من غيرتي وساندت صديقتي وقرأت، تجاوزت كل شيء وما زلت أحاول التجاوز، إن العقبات التي نمر بها تتحول لذكرى، وفكرة يتداولها الجميع.

وهذا ما يحدث لي الآن أكتب لكم وها أنا أدون وقد زالت مني الخشية من ألا يعجبكم ما أكتب. فطالما أني قد تخلصت من الادعاء فستجد كلماتي طريقها إلى قلب القارئ ووعيه..

ها أنا يا ستيفن أتجرد من الادعاء 
ها أنا أدون الآن.. وأتناسى ما أخشاه

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.