شعار قسم مدونات

"هل تتزوج بنت تستحم وهي عارية؟"

blog م

تصدّر وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا سؤال "هل تتزوج بنت تستحم وهي عارية؟» محققًا أعلى نسب مشاركة، وعلى الرغم من سذاجة السؤال وانقسام الآراء بين مؤيد ومستنكر فإنه يلخص تدني الخطاب الذي يتناوله شبابنا العربي فيما يخصّ المرأة.

إنّ كثيرًا من الممارسات الظالمة بحق المرأة العربية، إنما يرجع لأعراف وتقاليد وثقافات ضمن المجتمع، فما زالت المرأة تقبع في أدنى سلم التراتبية الاجتماعية.

 

أي دعوة تطرح اليوم في تحرير المرأة فإنها ستكون حتمًا نقيضًا مباشرًا للالتزام والفضيلة، فهي تعامل في مجتمعنا العربي بإثنية صارمة، إما قديسة وإما عاهرة

إنّ مطلب تحرير المرأة هو من أكثر العناوين إثارة للمشاعر المتناقضة، ففي الوقت ذاته الذي يتحمس له دعاة الحركات الليبرالية والتقدمية، نجد أن الكثير من الحركات الإسلامية ترى فيه طعمًا القصد منه توريط المرأة في التمرد على الشريعة، لتذوب بالانحلال الغربي.

وعلى الرغم من دخولنا القرن الحادي والعشرين فإنّ نظرة واحدة على المشهد الثقافي كافية لإدراك عدم وجود أي بوادر مشجعة فيما يخص دعوات تحرير المرأة، مقارنة بما سبق فهناك خطوات متسارعة يتخذها الاتجاه المتشدد إلى الوراء في الحيلولة دون منح المرأة موقعًا مناسبًا في المشاركة الفاعلة في الحياة العامة.

بدأت حركة تحرير المرأة منتصف وأواخر القرن التاسع عشر في ربوع الأزهر، وتحدث في تحريرها علماء لهم مكانتهم، كالشيخ محمد عبده ورفاعة الطهطاوي وغيرهم، كانت صيحات هؤلاء المصلحين واضحة في وجوب تعليمها وتحسين أحوالها والعودة بها إلى المجد الذي عاشته سابقا.
 

أغلب الخطاب الديني اليوم يركز على أن التزام المرأة بالزي المحتشم وحده كافٍ لتقرير أنها لا تعيش أي مشاكل أخرى في الحياة

يتعذر أن تجد اليوم واحدًا من أصحاب تلك العمائم يدعو إلى حرية المرأة.. كما أن مسحًا سريعًا للأحداث التي تعيشها المرأة في العالم العربي، يكشف لك عن التفاوت الهائل الذي تعيش المرأة ظروفه أو يُفرض عليها تحت عباءة الشريعة.

فأي دعوة تطرح اليوم في تحرير المرأة فإنها ستكون حتمًا نقيضًا مباشرًا للالتزام والفضيلة، فهي تعامل في مجتمعنا العربي بإثنية صارمة، إما قديسة وإما عاهرة، كما أن أغلب الدراسات عنها تكون إما ملتزمة صارمة، وإما إباحية ماجنة، وهذا في الحقيقة أسلوب خاطئ، يؤدي حتمًا إلى تعمية الحقيقة بإصدار أحكام مسبقة.

إنّ أغلب الخطاب الديني اليوم يركز على أن المرأة لا تعاني من أية مشاكل، وأن جميع المشاكل تتركز في الطرف الآخر، وأن مجرد التزامها بالزي المحتشم وحده كافٍ لتقرير أنها لا تعيش أي مشاكل أخرى في الحياة، وبذلك يتم تدوير الخطاب ضمن الإطار ذاته عبر انتقاء أشد ما في الجانب الآخر من انحلال لتصوير الهلاك الحتمي في التحرر.
 

علينا أن نعترف أولاً بأن المرأة في بلادنا العربية أحوج ما تكون إلى تلك العقول التنويرية المنفتحة لتحررها مما لحق بها من مظالم.. وما أحوجنا إلى أناس واعيين ليكونوا رواد تحرير المرأة، تحريرها من المظالم التي تعانيها، تحرير قلبها من الجبن والخوف، تحريرها من الجهل والتخلف، تحرير في جوهر بناء الإنسان لا مظهره.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.