شعار قسم مدونات

يحكى عن شعب انتصر..

blog - hia
 
متى كانت آخر مرة سمعنا عن شعبٍ انتصر بوحدة صفّه ووعيه وحبّه لبلاده؟ متى رأينا أخر مرة شعباً أعزل يهزم جيشاً بالدبابات؟ مع الأسف، وخاصة بعد ما رأينا ما آلت إليه ثورات الربيع العربي، وصلنا إلى مرحلة فقدنا فيها الأمل من رؤية بلادنا سالمة منعّمة وغانمة مكرّمة.. نسينا معنى الوحدة.. فقدنا الأمل بكلمة الحق.. 
 

يحكى عن شعبٍ حاول بعض أفراد جيشه الانقلاب عليه ونزع منه ديمقراطيته. استولى الانقلابيون على القناة التلفزيونية الرسمية، استولوا على مقر الحزب الحاكم، قطعوا الجسر الواصل بين القسم الشرقي والغربي من البلاد، وأغلقوا مداخل أكبر مطارات أوروبا.. في الساعات الأولى، ساد الارتباك والخوف في أرجاء البلاد.. اختبأ الناس في بيوتهم وتبسمروا أمام شاشات التلفاز لمراقبة الأحداث.. فرغت الطرقات وأغلقت المحلات.

الجيش هو صمّام أمان الشعب وليس عدوّهم، الجيش هو حامي البلاد وليس مخرَبها

 

سقطت الحكومة.. لم تسقط
انقضّ الجيش على الديمقراطية.. لا لم ينقض
انهزم الشعب.. لا لم ينهزم
نجح المخطط التآمري على البلاد.. لا لم ينجح
 

هكذا جلس كلٌ في بيته يتخبّط ويتساءل.. ثم ما لبث أن أدرك الشعب أنّ مصير هذا البلد في يده هو وحده وليس في يد أي جهة خارجية لا تهتم إلا بمصالحها، ولا بيد ببضع عسكار من الجيش رفعوا سلاحهم في وجه شعبهم، بدء الناس ينزلون إلى الشارع بالعشرات رويداً رويداً يكبّرون "يالله.. بسم الله.. الله أكبر"، يدعون من لم ينزل أن يخرج من بيته ويدافع عن الديمقراطية والحرية، والأهم من ذلك، أن يدافع عن الوطن.
 

عشرات عشرات فالمئات نزلوا إلى المقرات التي سيطر عليها الجيش ودعوه أن يعود إلى ثكناته، إلى حيث يجب أن يكون، دعوه ألا ينسى أنّ مهمّته هي حماية الوطن من الأعداء الموجودين داخل وخارج البلد.. فالجيش هو صمّام أمان الشعب وليس عدوّهم، الجيش هو حامي البلاد وليس مخرَبها، فبالمبدأ، هذا هو الجيش الوطني وهذه هي مهمّته، وبالفعل تراجع الجيش وفهم رسالة الشعب إليه، فهم أنّ الشعب والجيش ليسا عدوين، بل إنّ الجيش هو من أبناء الشعب.
 

بعيداً عن السياسة والآراء السياسية والانتماءات الحزبية نزل الشعب التركي إلى الشارع، وقف جنباً إلى جنب.. فهم جيداً أنّهم متّحدين يقفون ومتفرّقين يسقطون، وقفوا في وجه العسكر ومنعوه من أن يسلب منهم حكومتهم..
 

أدرك الأتراك جيّداً أنّ الفروقات السياسية لا مكان لها عندما يكون الوطن في خطر

أما في عالمنا العربي فمع الأسف فإنّ الجيش بات صمَام أمان الأنظمة المستبدة وحاميها، بعيداً عن الخوض في السياسة، إلا أنّ هناك أمثلة متعدّدة عن دولٍ عربية قامت جيوشها بقصف المدنيين وتدمير البيوت فوق رؤوس قاطنيها وتشريدهم، كلّ ذلك في سبيل حماية النظام الديكتاتوري من السقوط، حتى بل إنّ تاريخنا سجّل عدة إنقلابات عسكرية قام بها الجيش والتي مهّدت الطريق للحكم المستبد في البلاد وجعلت من قادة عسكرين حكّام مدنيين متسلّطين دمويين، حتى وصلنا إلى مرحلة بتنا نرى في الجيش عدواً داخلياً خطراً لا ينتمي للشعب ولا يأبه به.
 

ليلة ١٥ تموز كانت خير مثال على أنّ الجيش هو من الشعب وللشعب، آمن الأتراك بوطنية جيشهم ودعوه لصفّهم وبالفعل استجاب الجيش لتلك الدعوة.. آمن الأتراك أنّ مستقبل تركيا هو في وحدة صفّهم وأدركوا جيّداً أنّ الفروقات السياسية لا مكان لها عندما يكون الوطن في خطر.
 

نزل العلمانيون والإسلاميون واليساريون جنباً إلى جنب يداً بيد إلى الشارع يهتفون للوطن، الوطن الذي يجمعهم جميعاً باختلاف آرائهم وتوجّهاتهم.

علّنا نتعلّم منهم حب الوطن.. علّنا نفهم منهم أنّ الوطن فوق الجميع.. علّنا نعي أنّ وحدتنا في قوّتنا..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.