شعار قسم مدونات

الحاكمية للجيش أو للطائفة.. أهم سبب للتطرف

blogs - ikhwan

كتبتُ ردا موجزا على مقالة أخينا الكبير الأستاذ الدكتور فاروق حمادة بعنوان "هل مفهوم الحاكمية منطلق التطرف والعنف؟"، ولم أحب أن أشغل القراء بتأصيل علميّ طويل نؤكد فيه حقيقة الحاكمية التي قال بها جميع علماء الأمة.

ولو ذهبت أحشد تلك النقول لأخرجت كتابا كبيرا لا مقالة صغيرة أو خاطرة سريعة، أريد أن يستفيد منها عموم القراء، تناسب المقالة التي نشرها الدكتور في جريدة الاتحاد الإماراتية بعنوان "الحاكمية في فكر الإخوان.. منطلق التطرف والعنف"، ثم وقفت له على مقالة أخرى بعنوان "الإخوان والتحريض على الإرهاب" لا تخرج في مجملها عن المقالة الأولى التي أشرت إليها.

وأنا في ردي هذا لا أشكك في النوايا ولا أتهم الرجل في علمه وخلقه ودينه.. فالنقد العلمي لا يتدخل في النوايا والدوافع، وأنا لا أدافع عن أيّ جماعة أو أحسب عليها، وأوثر أن أبقى على مسافة واحدة من كل المسلمين. ولكن أحب أن أقول كلمة حق أرجو أن يتسع لها صدر الدكتور فاروق وأمثاله ممن وافقه، وهو ممَّن عاصر تأسيس جماعة الإخوان في سوريا، وعرف الكثير من رجالاتهم.

لقد تعاون الإخوان مع الحكومات في جميع الدول التي في أنظمتها هامش من الحرية، وهو دليل قوي على عدم تكفير المجتمع

لقد رأيتَ الكثير من أعلام الإخوان تنظيميا من أمثال مصطفى السباعي، وعبد الفتاح أبو غدة، وعمر بهاء الدين الأميري، وعصام العطار، وحسن الهويدي، ومحمد أديب الصالح، ومحمد علي مشعل؛ شيخك رحمه الله ورحم جميع من ذكرنا.

كما عرفتَ -يا أستاذنا- الكثير من أعلام الإخوان فكرياً ودعوياً الّذين أحبهم الإخوان وأحبوهم والتفوا حولهم ورضوا بهم قادة وموجهين، وتعاون هؤلاء معهم تعاوناً تاماً صريحاً واضحا، ونذكر منهم المشايخ الكبار والأساتذة الأعلام محمد الحامد، ومصطفى الزرقا، ومحمد المبارك، وعلي الطنطاوي، وحسن حبنكة، ومحمد علي المراد، وعبد الكريم الرفاعي، وأحمد عز الدين البيانوني، وكذلك مشايخ حمص الكبار عبد العزيز عيون السود، ووصفي المسدي، وعبد الغفار الدروبي، ومحمد ومحمود الجنيد، وغيرهم..

وعرفتَ أيضا الكثير من الإخوان الذين صحبتهم في كلية الشريعة بدمشق، وفي مساجد حمص ودمشق ممن تخرجوا على يد هؤلاء الأعلام، وصادقتَ عن كثب كرام شباب الإخوان الذين قضوا نحبهم في سجون الطغاة، وممن شردوا في أرض الله، وممن ينتظر أجله ولم يغير ولم يبدل ما عاهد الله عليه.

فهل كان هؤلاء المشايخ الأعلام من الإخوان أو أصدقائهم أو تلاميذهم -ممن عرفتَ وصحبتَ- الذين قرؤوا رسائل البنا وكتب سيد قطب، وتربوا عليها، وانتفعوا بها ومن غيرها من كتب علماء الأمة.. هل كانوا إرهابيين أو دعوا للإرهاب؟ هل هؤلاء هم الذين قادوا الانقلابات، وكبتوا الحريات، وسرَّحوا الألوف بلا ذنب ولا جريرة؟

كان الأجدر بك يا أخانا الكبير وأستاذنا العالم المحقق المحدث أن تتحدث عن دور الطغيان والطغاة في دفع الناس للتطرف والغلو.

لو غيرك قالها، يا دكتور فاروق!!

لقد تعاون الإخوان مع الحكومات في جميع الدول التي في أنظمتها هامش من الحرية، وهو دليل قوي على عدم تكفير المجتمع والدولة كما زعمت.

أنسيتَ تعاونهم مع الحكومات السورية في عهود الحرية على اختلاف أنواعها ومشاربها؟

نعم تعاونوا بحب وصدق وودّ مع جميع شرائح المجتمع المختلفة لإصلاح المجتمع باعتبارهم دعوة إصلاحية وليسوا ميليشيات عسكرية أو فرقة باطنية!

لقد تعاونوا وما زالوا لنقل المجتمع إلى الحكم الرشيد والحياة الكريمة بالتدريج، ولم يصادموا الحكومات ابتداء وإنما الحكومات الاستبدادية هي التي أقصتهم وصادمتهم.

لقد خاض الإخوان ومن يؤمن بفكرهم الانتخابات في كل بلد عندما توفر لها الحد الأدنى من الحرية والنزاهة، خاضوها في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين واليمن والكويت ومصر وتونس وليبيا والجزائر والمغرب.

الانقلابات وسيطرة الجيش والطائفة هي التي سدَّت آفاق العمل السياسي الطبيعي والحر فدفعت بعض الشباب نحو العنف والتطرف

والدكتور حمادة عاصر شخصياً في سوريا هؤلاء الأعلام الفضلاء، وشاهد كيف خاضوا الانتخابات بقوائم ضمَّت الطوائف المسيحية، وفازوا في بعض الانتخابات وخسروا في بعضها، فتقبلوا خيار الناخبين بصدر رحب، ولم يلجؤوا للعنف أو القتل، بل كانوا أحرص الناس على الاستقرار والنظام ومصلحة البلد، ولم يكفروا أحداً ويبيحوا سفك دمه.

الذي قام بالانقلابات وأرهب الناس حقاً شعاره "الحاكمية للجيش أو للطائفة".
وكنا نتوقع من د. حمادة -وهو كما نعرفه الباحث المدقق- أن يرى الأمور على حقيقتها، ويُسمِّي الأشياء بسمَّياتها، ويتحدث عن هذه الكارثة التي حلت بالأمة، وأودت بتقدمها ونهضتها، واستعبدت رجالاتها، وسخرت مصادرها البشرية والاقتصادية في وجوه السفه والتلف.

الانقلابات وسيطرة الجيش والطائفة هي التي سدَّت آفاق العمل السياسي الطبيعي والحر فدفعت بعض الشباب نحو العنف والتطرف، وتلك ظاهرة معروفة في علم السياسة لا تقتصر على المسلمين، وأمامنا دول أميركا اللاتينية وتاريخها مع الانقلابات العسكرية شاهد على ذلك.

هلا تروّى الدكتور حمادة فتذكر أن من كان قبله في هذا المنصب؛ الدكتور عز الدين إبراهيم، وهو من الرعيل الأول من شباب الإخوان، اختاره الشيخ زايد رحمه الله ليكون مستشاره الديني، فنصح له حقَّ النصح، وإلى جانب رجالات الإمارات الفضلاء كان الدكتور عز الدين إبراهيم الساعد الأيمن للشيخ زايد في وجوه كثيرة من الخير والعطاء.

كنا نتمنى أن يقوم الدكتور فاروق -والمستشار مؤتمن- بأداء الأمانة وتقديم الرأي الحق في الإخوان، وأن يقول لصاحب السمو رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد إن الإخوان كما يعرفهم من أبعد الناس عن التطرف والغلو ومن أحرص الناس على الأمن والسلام الاجتماعي أينما حلوا في أوطانهم الأصلية أم في مغترباتهم.

التطرف والعنف لم يكن وليد فكر الإخوان، ولا الجماعات الإسلامية المعتدلة

كنا نتمنى أن يقوم الدكتور فاروق بخطة صلح ووساطة خير لرأب الصدع الكبير الذي حققته معاول التخلف والهدم بدسائسها بين دولة الإمارات وبين أكثر الجماعات والجمعيات والمؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي، فخسرت الإمارات رصيد مؤسسها الشيخ زايد رحمه الله من المحبة الصادقة والذكر الحسن والثناء الطيب والدعاء الصالح، وحب الدعاة والشعوب والمظلومين.

كنا نتمنى أن يسعى في نصرة المظلومين المقهورين الذين أبعدوا عن الإمارات بدون ذنب أو جريرة، وقد أسهموا في بنائها العلمي والحضاري والعمراني، وأن يسعى بفك أسرى المأسورين المضطهدين.

وأذكره بموقف لأستاذه الكبير الشاعر المفكر عمر بهاء الدين الأميري الذي قال لأحد كبار المسؤولين الذي توهم -بما أملاه عليه بعض المغرضين- خطورة الإخوان، وأنهم سبب العنف والإرهاب، فقال له "إن التطرف والعنف لم يكن وليد فكر الإخوان، ولا الجماعات الإسلامية المعتدلة". وزاد على ذلك تذكيره ببعض الشباب المتحمس الذي يقع منه الخطأ وقال له "هم أبناؤكم، تقرَّبوا إليهم، ولا تنبذوهم، استوعبوهم ولا تعادوهم ، خذوهم إلى صدركم واغنموا شبابهم واندفاعهم".

لقد ختم الدكتور مقاله بهذه الآية يتهم بها إخوانه "وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ" (البقرة: 205).
وأختم مقالتي بتذكيره بهذه الآية  "لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا" ( النساء:114).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.