شعار قسم مدونات

أن تغني "يا صبحة هاتي الصينية" وتتزوج ميرفت أمين

blog مسرح

بسوالفه العريضة وشعره الطويل كان يبدو -بالأسود والأبيض- شبيهاً بألفيس بريسلي أسطورة الروك الأميركية، لكن التشابه خدَّاع ومضلل وقد يكون محض صدفة أو بتأثير وقوة الموضة السائدة ليس إلا، ذلك أنه ينتمي إلى الستينيات الذهبية، إلى ذلك الجيل الذي حقق أكبر ثورات القرن العشرين وأكثرها جذرية لكنه رغم ذلك ظل يطل علينا بعد أكثر من خمسين عاماً بملامح متقاربة جداً إلى حد كبير.

 

كان موفق بهجت يشبه ذلك الزمن، على وسامة لافتة؛ شعر طويل ومصفف جيداً وسوالف عريضة وربطات عنق لا تقل عرضا عن ياقات القمصان الأكثر عرضا بالتأكيد.

 

آنذاك كان التلفزيون الأردني الذي انطلق عام 1968 يفرط في بث الأغاني والمسلسلات البدوية؛ سميرة توفيق من دون منازع و"السهرة، سهرة الحب" لفيروز ووديع الصافي، ولم تكن تعدم رؤية آخرين على شاشته أقل شهرة وأكثر عرضة للنسيان، من هؤلاء رجا بدر مثلاً؟!!! هل ثمة من يتذكر أغنياته الجميلة على قلتها، وموفق بهجت وسواهما.

لسبب غامض، أحب الفتى آنذاك موفق بهجت، ربما بسبب الإيقاع السريع والراقص لأغنياته، وربما بسبب تلك القرابة الشكلية بين بهجت وألفيس بريسلي الذي حظي بكتّاب سيرة تابعوا حياته وصدف أن وقع أحد كتبهم بين يدي الفتى آنذاك فقرأها مرارا وتكراراً: ياقة القميص المرتفعة والعريضة، الأحذية العالية بعض الشيء، والأهم تلك الخفة التي تجعل الفتاة تتمايل كهبة ريح لعوب فيما هو يغني.

انتهى موفق بهجت إلى النسيان تماماً، وفي صوره الأخيرة التي توفرت يبدو بديناً وأقرب إلى البلاهة وهو يرتدي عباءة عربية على كتفيه.
 

انتهى موفق بهجت إلى النسيان تماماً، وفي صوره الأخيرة التي توفرت يبدو بديناً وأقرب إلى البلاهة وهو يرتدي عباءة عربية على كتفيه

 

أنت لا تصدق، هل هذا هو الرجل نفسه الذي تزوج أجمل نساء السينما المصرية على الإطلاق، ميرفت أمين؟! بلى وبل كان أول أزواجها أيضاً.

 

تقول سيرته الشخصية القصيرة جداً والتي تتكرر مع بعض التعديلات الطفيفة على مواقع الإنترنت إنهما تزوجا عام 1970، آنذاك كانت تلك المرأة الفاتنة في الرابعة والعشرين من عمرها، وهذا تفصيل لا يعني كثيراً بالمقارنة مع كونها -قبل نحو عام واحد فقط- كانت قد وقفت إلى جوار عبد الحليم حافظ وناديا لطفي في "أبي فوق الشجرة" الذي منحها شهرة مدوية، في ذروة صعودها اقترنت تلك الفتاة بذلك المطرب السوري.

 

طبعاً ثمة ذلك التعالي البغيض كما الإشفاق المهين في رواية ميرفت أمين "أب مصري وأم أسكتلندية" لزواجها من موفق بهجت، تقول إن والديهما رفضا وإن أمها قالت لها هل هناك أزمة رجال في مصر حتى تتزوجي منه لا من سواه، وتقول لاحقاً إنها شعرت بالحزن والشفقة عليه عندما سُجن في قضية مخدرات في أعقاب انفصالهما، إنها ببساطة تتحدث عنه باعتباره عبئاً وحالة إنسانية بينما قد تكون الحقيقة غير ذلك؛ كان شاباً ولا يقل وسامة عن أزواجها الستة اللاحقين، كما كان ثرياً وفي ذروة شهرته عندما تزوجها بينما كانت في بداية شهرتها، ثم -وهذا لا يقل أهمية- أنه تركها، لماذا تنسى ميرفت أمين هذه الحقيقة؟! اختلفا كما يفعل الأزواج فتركها. غادر القاهرة إلى بيروت ليغني في ملهى يملكه فريد الأطرش، وكان ثمة جمهور يتبعه آنذاك.

 

أولى أغنيات موفق بهجت كانت "عشقت في الأندلس.. صبية غجرية" بإيقاع بديع وكلمات منتقاة وجميلة

يبدو موفق بهجت هنا بالنسبة إلى ميرفت أمين مثل الأقارب البعيدين القاطنين في الأرياف لمحدثي النعمة في المدن الكبيرة، حيث يحرصون على دفنهم ودفعهم إلى المناطق الأبعد في اللاوعي، عليهم أن يبقوا هناك وإلا تعرضوا للسخرية، وذاك قتل رمزي بالغ الإهانة لقريب بعيد يتحرك ضمن منظومة قيمية مختلفة ويعتز بأنه يأكل بيديه ولا يرى ذلك عاراً أو تخلفاً.

الشيء نفسه حدث بالنسبة للجمهور، من يريد أن يقول اليوم إنه كان يحب أغنية مثل "يا صبحة هاتي الصينية/ صبي الشاي ليك وليا".. ذلك يندرج في الاختزال، يندرج في ذلك التنميط الذي يسعى لقصر المعطيات على وبما يخدم رؤيته حتى لو أسقط كثيراً من المعطيات الأخرى التي تنقضها، فالكثيرون لا يعرفون ربما أن أولى أغنيات موفق بهجت كانت "عشقت في الأندلس.. صبية غجرية" بإيقاع بديع وكلمات منتقاة وجميلة، وأن طبقة صوته النادرة كانت تؤهله لمستقبل غنائي أفضل لولا أنه مزاج الفنان الذي دفعه للخفة والمجانية التي أهدرت موهبته.
  

غرق موفق بهجت في المخدرات، لا يريدون أن يعترفوا به مطرباً كبيراً، ترك القاهرة وعاد إلى بيروت وتنقل بينها وبين عّمان ودمشق، أحيا حفلات وصوّر أغنيات وأنفق أموالاً بينما كان ينتحب في تلك الليالي ربما، وعلى نحو مكثف كانت "يا صبحة هاتي الصينية" تمثل حياته ومعناها، وتأرجحه بين ما هو شعبي وما هو عاطفي.
 

بين أن تأتيه المرأة بالشاي وبين أن تحضر له الغيتارة، أي يوم شاسع هو ذاك؟ لكن العمر قصير "والعمر شربة سيجارة" كما ورد التعبير حرفياً في الأغنية، ما يوجب ضرورة أن "نطير فوق السحاب"، وفقاً للأغنية نفسها.
 

لقد طار سريعاً وحلّق عالياً لكن ليس طويلاً. 

كأسك يا رفيق؛ في محبة ذلك الزمن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.