شعار قسم مدونات

القضايا والعناوين الجدلية.. سوء تقدير أم بحث عن شهرة؟

blogs - man
ألاحظ في عالم الفيسبوك والإنترنت كثرة انتشار العناوين التي فيها جرأة على النصوص الدينية أو العادات المجتمعية وقد وصل الأمر بالبعض إلى أن يضع اسم الله في العنوان كما لو كان يتحدث عن شخص مادي بيننا وآخر ينتقص في عنوانه من ثوابت الدين أو رموزه.

وعلى الأغلب يكون محتوى هذه المقالات والتدوينات عاديًا وقد يخالف المضمون العنوان الذي استخدمه الكاتب لتحقيق أعلى نسبة مشاهدات ممكنة، فيسكن غضب الناس الذين دخلوا للقراءة مستفزين من العنوان بل وعلى العكس قد يمتدح الكاتب لأنه لا يتبنى ذلك العنوان، وإن كان في الأمر غش هنا ومفاسد كثيرة على هكذا أمور فغالبية الناس على الإنترنت لا تقرأ سوى العناوين، وهكذا عناوين قد تفتح الباب أمام الصبية والجهلة من أجل التجرؤ على الدين أو الرموز الدينية أو التمرد على الأعراف والقيم.

لا تكونوا كحاطب ليلٍ يلتقط كل ما يجده في طريقه دون تفحص أو دون حذر فيلتقط حينها الإنسان ما يضره كالأفاعي والعقارب.

المشكلة الأكبر في مَن يستخدم الجدل مضمونًا لا عنوانًا فقط، والهدف لا يمكن أن يكون بريئًا فالبعض يعود إلى التاريخ ليثير مظالم عفا عليها الزمن، ولا ضرر على الأمة من إغفالها وإنما الضرر في إحيائها بعد أن مات ظالمها ومظلومها، ليتجند للطرفان خصومٌ جدد يتعصبون على عمى لِفتَنٍ تغافل عنها علماء الأمة المعروفون، وقال ابن عمر الذي شهدها حينما سأل عنها "تلك فتنة طهر الله منها أيدينا وسيوفنا، ولا نريد أن نخوض فيها بألسنتنا".
 

وقد أكد الباحثون أن عدد الصحابة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وظهور الخلاف كان عشرة آلاف، فما شارك في الفتنة سوى أربعين أو ثلاثين، واليوم يريد بعض الجهلة أو غير المتصالحين مع ذاتهم وأمتهم أن تنشغل الأمة كلها بخلافات الماضي بينما الحاضر يعجّ بالمشكلات.
 

الكثير من الشجعان في إثارة خلافات الماضي جبناء عند الحديث عن الواقع ولا يستطيعون التحدث بأريحية أو ثقة عمياء عنه، بل وترى آراءهم تحوي مغالطات فاضحة تدل على ضحالة منطقهم، إلا أن موت شهود الماضي يعطيهم هامش أمان مرتفع لقول ما يشاؤون، فلن يخرج لهم أحدٌ من القبر لينكر عليهم افتراء أو اجتزاء أو تضليل، وعليه فدعك من أحاديثهم عن الماضي التي يعدّ ضررها أكثر من نفعها، وانظر إلى حديثهم عن الواقع لتعرف حجم التناقض الرهيب.
 

قيل في الأثر "لولا الدليل لقال من شاء ما شاء" فلا يقودنكم هوى الأشخاص المُنمّق أو عقليتهم القاصرة، وابحثوا دائما عن الدليل أو اسألوا عنه ثم تحروا عن صحة الدليل والاستدلال، ولا تكونوا كحاطب ليلٍ يلتقط كل ما يجده في طريقه دون تفحص أو دون حذر فيلتقط حينها الإنسان ما يضره كالأفاعي والعقارب، وليس من نورٍ يهتدي به الإنسان في هذه الدنيا مثل نور القرآن والسنة، ومن أبلغ وصايا حبيبنا المصطفى في ذلك "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" فإن التزمت الأمة بهذا الحديث وحده تنتهي نصف خلافاتها على الأقل.
 

ومن خير الأعمال وأحبها إلى الله إصلاح ذات البين ومن أشرها إفساده، فسددوا وقاربوا ما استطعتم ولا تكثروا الجدل فقد قيل "إذا أراد الله بقوم شراً فتح عليهم الجدل ومنعهم العمل".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.