شعار قسم مدونات

حينما تصبح البذاءة وسيلة للشهرة الإلكترونية!

blogs- البذاءة الإلكترونية

كم مرة فوجئت فيها بمشاركة على فيسبوك أو غيره من وسائط التواصل الاجتماعي خالية من أي مضمون مفيد، لكنها على العكس مليئة بعبارات البذاءة المتجلية في السب والشتم والألفاظ غير الأخلاقية، ومع ذلك تجد أن نسبة التفاعل معها من "إعجابات" و"تعليقات" تفوق نسب التفاعل مع الكثير من المشاركات الهادفة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي؟ الأمر الذي يجعلك تتساءل: هل باتت البذاءة فعلا سبيلا من سبل الشهرة في هذا العالم الافتراضي؟
 

لعل شبكات التواصل الاجتماعي على اختلافها منحت الكثيرين -خصوصا فئة الشباب- فرصة التعبير عن أرائهم وتطلعاتهم مع هامش كبير من الحرية، وذلك من خلال وسائط مختلفة، سواء عن طريق الكتابة أو كذلك بالصوت والصورة، وفي الوقت الذي استغل فيه الكثير من الشباب هذه الوسائط لتوصيل رسائل مفيدة وبطرق هادفة، فإن عددا آخرا سلك سبيلا مختلفا تماما واستغل هذا الهامش من الحرية في التعبير عن آرائه بأساليب غير مناسبة، في تنافي مع ما نشأنا عليه من أعراف وأخلاق حميدة.
 

هؤلاء الأشخاص ومتابعيهم يعتقدون مع قلة خبرتهم، أن التمرد من خلال كتاباتهم البذيئة على الدين والأعراف والتقاليد والأخلاق هو شجاعة

وإن كانت هذه الظاهرة التي تنامت مع انتشار استعمال مواقع التواصل الاجتماعي تتطلب دراسة من جانب المختصين في علم النفس وعلم الاجتماع، فإنه ليس من العبقرية في شيء القول بأن الأمر راجع في الكثير من الأحيان إلى رغبة الكثير من هؤلاء الشباب في جلب اهتمام المتابعين بأي وسيلة كانت، والحصول على شهرة افتراضية، وبناء شخصية إلكترونية "متمردة"، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يؤكد إلا أن هؤلاء الشباب ما زالوا يعيشون مرحلة مراهقة فكرية.
 

مثل هؤلاء الأشخاص ومتابعيهم يعتقدون -مع الأسف- مع قلة خبرتهم في كثير من الأحيان، أن التمرد من خلال كتاباتهم البذيئة على الدين والأعراف والتقاليد والأخلاق هو شجاعة، وأن كل ما سبق يعتبر قيودا مجتمعية ينبغي فكها، فينظر هؤلاء لأنفسهم على أنهم شجعان يحاربون تخلف المجتمع، وينظر إليهم متابعوهم بالكثير من الإعجاب والتقدير، بما أن الكثير منهم لا يستطيع تقليدهم، لأنه مؤمن تماما بوجود هذه القيود!
 

وللأسف فإن وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة تزيد من شهرة هؤلاء بشكل كبير، ومن انتشار مشاركاتهم وما يكتبون، وبالتالي تفاعل طبقة واسعة من المستخدمين معها ممثلة كما ذكرنا بشكل كبير في فئة الشباب، وهي بذلك قد أصبحت سلاحا ذو حذين.
 

قد يقول قائل: إن كل هذا يدخل في باب الحرية الفردية، وأنه إن كان المرء غير معجب بطريقة كتابة هؤلاء "المشاهير الافتراضيين" أو أن كتاباتهم ومشاركاتهم تؤذيه، فإن ما عليه إلا التوقف عن متابعتهم، وما أسهل ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي! وإننا نقول أولا أننا لسنا حراس للفضيلة، كما أننا نحترم تماما حرية هؤلاء في كتابة ما يشاؤون وبالطريقة التي يريدون، وما هذه التدوينة إلا محاولة لفهم هذه الظاهرة وتسليط الضوء عليها بشكل أكبر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.