شعار قسم مدونات

في رحاب مدينة رسول الله

Muslim worshippers visit "Al-Baqi" cemetary, where the Prophet Mohammad's family, relatives and companions are buried, with Al-Masjid al-Nabawi, (the Mosque of the Prophet) seen in the background, after the early morning prayer of Al-Fajr in the holy city of Medina, Saudi Arabia January 20, 2016. Picture taken January 20, 2016. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh
دخلت إلى مسجد سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة مساء من باب السلام. اختلطت في قلبي عِدّة مشاعر بعد أن غبت عن زيارة مسجد رسول الله قرابة العام وهذا ليس مشهوداً لي من قبل بحكم دراستي.
تأملت المسجد القديم الذي بنته الدولة العلية العثمانية وعبق التاريخ يتصدر المشهد في كل زاوية وفي كل زخرفة.
دخلت إلى الروضة لأجد الناس بين متضرع إلى الله وبين ساجد وراكع، وقفت هناك وأنا أشعر بطمأنينة عجيبة لأنها روضة من رياض الجنة فكم صحابي وتابعي وقف وصلى مكان ما أصلي، وقفت وصليت خلف محراب رسول الله والخلفاء من بعده ومنبره على يميني.

استذكرت عبق التاريخ فكم من فروض شرعت بنزول الوحي على رسوله من مكاني هذا وكم من مواقف صححها رسول الله لصحابته الكرام من هذا المكان، تذكرت استشهاد عمر الفاروق رضوان الله عليه عندما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي حقداً عليه لأنه فتح بلاد فارس وبدد ملك كسرى.

خرجت للسلام على سيدي رسول الله وكلي خشوع وصمت فأنا في حضرته خشيت أن أخالف أمر الله تعالى بقوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ وهذا ينطبق عليه حياً وميتاً فداه أبي وأمي.
لم أشعر إلا بإغرقاق عيني بالدموع ولسان حالي مناجياً رسول الله بعد السلام عليه: ماذا لو يا رسول الله قمت ورأيت حالنا وحال المسلمين؟

ذهبت معاني الرحمة والسلام بدينك الذي علمتنا إياه حيث قال الله "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وأتى أناس لا يفهمون من دينه إلا إقامة الحدود بالسيف أو الجلد للزاني أو قطع اليد ولا يعلمون أن "من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".

أصبح الإسلام بعبعاً ينالون الناس منه كأنه وحش كاسر يريد أن ينال من الناس بأي طريقة كانت، وأصبح حال المسلمين جوع وتشريد وذلة ومهانة، الأخ يقتل أخاه بفهم خاطئ لأحاديثك والقرآن الذي نزل عليك وأصبح دم المسلم رخيصاً لا قيمة له.

تحسرت على حال هذه الأمة لكني تذكرت قول الله تعالى "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" فشحذت عزيمتي قليلاً بهذه الآية.

تواريت خجلاً من رسول الله وأكملت طريقي إلى السلام على أبي بكر الصديق رضي الله عنه رفيق رسول الله، ما أحوج أمتنا لأمثاله، بهذا الرجل مكن الله الدين حيث صدّق الرسول عندما كذبه الناس، وعند وفاة الرسول وقف على المنبر وقال قولته الشهيرة "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت" فثبت الصحابة في المسجد. من حارب المرتدين حيث قال "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لحاربتهم عليه" فثبت الله به الإسلام.

أكملت سيري خطوة ووقفت أمام عمر الفاروق رضي الله عنه وهنا لا يمكنني أن أوصف مشاعري بعدة سطور أمام هذا الرجل العظيم فكم تحتاج الأمة لمثل هذا الرجل العظيم. تذكرت قول مبعوث كسرى "حكمت فعدلت فأمنت فنمت" عندما وجده متلحفاً رمال المدينة واضعاً خفه تحت خده نائماً من غير حرس ولا حماية وقد وصلت الخلافة الراشدة في عهده إلى عزها، حكمها بالعدل حيث قال مقولته الشهيرة "لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها".

تذكرت حال العراق والشام التي أنارها الإسلام، في عهدك والتي أصبحت محفلاً للغرب بالاستشفاء من المسلمين بقتل الأبرياء والضعفاء وبأهداف سرية وعلنية لكوي دين الإسلام عن طريق قتلهم علنا أو دس جماعات تدعي زوراً وبهتانا أنها تمثل الإسلام والإسلام منهم براء، كما يفعل بعض المجرمين بإعلانهم الخلافة وهم لا يمتلكون أبسط مقوماتها أو أسسها بأهدافهم المشبوهة لطعن الإسلام وتشويه صورته.
 

أكملت خطاي لخارج الحرم النبوي الشريف فوجدت أمامي مقبرة البقيع الطاهرة -وتبعد عن مسجد رسول ما يقارب 5 دقائق سيراً على الأقدام حيث قسمت البقيع لقسمين المقبرة القديمة والتي تحوي رفات صحابته الكرام وآل بيت رسول الله والتابعين وتكون على يمينك أول دخولك للبقيع والمقبرة الحديثة المتجددة التي يدفن بها الناس حديثاً وهي باقي المقبرة- للسلام على زوجات رسول الله وآل بيته الكرام حيث تقابل قبورهم عند أول دخولك للبقيع حيث تجدهم متراصين بجوار بعضهن فقد جاوروا بعضهن في الحياة والممات.

مواقف كثيرة خالطتني من عهد النبوة ومن عهد الصحابة لا يسعني ذكرها هنا.
خرجت من مسجد رسول الله متحسراً علي حال هذه الأمة التي أصبح أمرها وضيعاً فتذكرت قول الله تعالى "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" فشحذت عزيمتي قليلاً بهذه الآية وعدت إلى الفندق لأشحن طاقتي ليوم إيماني آخر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.