شعار قسم مدونات

عصر ترامب

Republican presidential nominee Donald Trump waves from his plane as he departs an airport campaign rally in Albuquerque, New Mexico, U.S. October 30, 2016. REUTERS/Carlo Allegri

اكتمل اليوم عقد المجانين الذين يحكمون العالم من الفلبين شرقاً إلى الولايات المتحدة غرباً. وها هو دونالد ترامب، الذي عجز أقرب المقربين إليه عن تذكر خصلة حميدة واحدة في تاريخه المضرج بالفضائح والحماقات، يقود القوة العظمى على وجه الأرض.

 

ربما تكون صدمة ملايين المشاهدين الذين تسمروا أمام شاشات التلفزيون في أنحاء العالم، أقل من الصدمة التي بدت على وجوه المحللين وخبراء السياسة ومحللي توجهات الجماهير، عندما بدأت أرقام المصوتين لترامب تتصاعد بشكل فاق توقعات ترامب نفسه.

 

اختار الناخبون اليوم رئيساً ناصع البياض، إلى درجة أنه لا يستطيع أن يخفي بقع الدنس البادية على صفحة تاريخه المزدحم بالسقطات

"صدمة ترامب" لم تبدأ اليوم، بل رأينا إرهاصاتها منذ إعلان ترشيحه للرئاسة، وتغلبه على عشرة مرشحين في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، حزب محرر العبيد في أميركا إبراهام لينكولن، والحزب الذي قبل بعض أعضائه على مضض ترشيح رجل أعمال مثير للجدل، لا يملك برنامجاً انتخابياً، ولا يعرف اسم عاصمة اليمن، ويتبجح علناً بتحرشه بالنساء.

 

 نجاح ترامب كان سببه الأول ضعف المرشحين المتنافسين معه في الانتخابات التمهيدية، وتركيز هيلاري كلينتون على إبداء مساوئه، والاستهتار بقدرته على المنافسة، والاعتماد على المنطق القائل: إن بلداً كأميركا لا يعقل أن يمنح ثقته لرجل مثل ترامب، أقل ما يمكن أن يوصف به أنه "شخص غير سوي".

 

علينا اليوم أن لا ننشغل بالهزات الارتدادية لهذه الصدمة، فنحن أمام عصر جديد يتطلب إعادة النظر في المسلّمات التي كان يعتمدها المحللون وخبراء المراكز البحثية لاستشراف مستقبل عالم يسوسه زعماء من أمثال رئيس الفلبين رودريغو دوتيرتي الذي يشبه نفسه بالزعيم النازي أدولف هتلر، وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ إيل، المراهق الذي يلهو بالصواريخ العابرة للقارات، وغيرهما، بعد أن انضم إليهم رئيس الولايات المتحدة الأميركية الخامس والأربعين.

 

وأن لا تنطلي علينا مقولة "أميركا بلد مؤسسات راسخة"، فالنظام الرئاسي المطلق، والأغلبية الكاسحة للجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ يتيحان لترامب تنفيذ بعض وعوده التي قدمها في حملته الرئاسية، وإن كان مبعث التفاؤل الوحيد الذي نعول عليه اليوم أن الوضع الحالي في منطقتنا العربية وصل الدرك السفلي الذي لا يخشى بعده من السقوط.

 

ترامب يمثل الوجه الحقيقي لأميركا اليوم، فبعد ثماني سنوات من حكم أوباما المتلون، اختار الناخبون اليوم رئيساً ناصع البياض، إلى درجة أنه لا يستطيع أن يخفي بقع الدنس البادية على صفحة تاريخه المزدحم بالسقطات. أميركا اليوم عارية بعد أن فقدت كل أوراق التوت التي حاولت الأنظمة المتعاقبة أن تستر بها عورة انحيازها الفاضح. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.