شعار قسم مدونات

السودان يكسب أكثر مما يخسر من سد النهضة

blogs - sudan
منذ بدأت أثيوبيا في عمليات المسح والتصميم لقيام سد النهضة على مجرى النيل الأزرق في الفترة 2009-2010 وحتى يومنا هذا، مازال الشد والجذب مستمرا بين أثيوبيا، السودان، ومصر، حول أحقية إنشاء السد ومدى تأثير ذلك على توزيع حصص المياه في الثلاث دول المتفق عليها بحسب اتفاقية 1959.

لكن بعد أن قام رئيس الوزراء الأثيوبي الراحل ملس زيناوي بوضع حجر الأساس للمشروع في أبريل 2011 تصاعدت حدة الخطاب المصري الرسمي المعارض تماما لقيام السد دون تقديم أي تنازلات أو بدائل، في حين اتخذ السودان موقف مؤيد ولكن بلهجة ناعمة لا تؤدي لتوتر العلاقات مع مصر.

مصر تتمسك تماما ببنود اتفاقية 1959 لتوزيع مياه النيل الأزرق وقبلها إتفاقية 1929 لتوزيع مياه النيل الأبيض، في الوقت الذي تطالب فيه دول الحوض بمراجعة تلك الاتفاقيات في ظل التغيرات المناخية والدموغرافية والسياسية في تلك الدول.

يجب على مصر أن تطرح بدائل وخيارات لأثيوبيا بما يضمن مصالح البلدين، بعيدا عن التهديد بعمل عسكري في حال قيام السد.

وفي السنوات الأخيرة تصاعدت الهجمة الحكومية والإعلامية المصرية ضد السودان تحديدا بسبب موقفه الداعم لقيام سد النهضة، باعتبار ذلك حسب رأيهم خذلان لمصر وللعروبة. في هذا المقال نتناول الموقف السودان والأسباب التي تجعل قيام السد مفيدا للسودانيين.

السودان سيستفيد من الطاقة الكهربائية المولدة من السد، وكذلك ضمان انسياب مياه النيل بصورة منتظمة تقلل من حدوث فيضانات مؤثرة، فضلاً عن التمتع بنصيبه كاملاً في اتفاقية 1959 المجحفة في حق السودان، الشيء الذي يحتاجه السودان بشدة لإعادة إعمار القطاع الزراعي المدمر، وكذلك زراعة أكبر قدر من المساحات غير المستغلة والبالغة مئتي مليون فدان. إضافة لذلك يريد السودان الاستفادة من الكهرباء التي سيولدها سد النهضة للتقليل من الفشل الذي صاحب إنشاء سد مروي في عام 2009.

للمعلومية سوق نظام الإنقاذ لسد مروي في شمال السودان كأكبر مشروع تنموي أنشأه ذلك النظام، خصوصا في ظل العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية التي يعاني منها السودان. وكان نظام الإنقاذ قد وعد السودانيين باستدامة تيار الكهرباء وتوفره لجميع أطراف البلاد، بل وحتى تصدير الكهرباء لدول الجوار.

وبعد أن دخل السد في مرحلة التشغيل اتضح أن الهدف من المشروع كان الكسب السياسي بعد أن تم إهدار المليارات في إنشائه بدون أن يتم توفير الكهرباء بالصورة الموعودة. وكذلك لم تقم أي من المشاريع التنموية المصاحبة للسد مع الأخذ في الاعتبار سكان تلك المنطقة الذين تم تهجيرهم. إذا نظام الإنقاذ يحتاج لتعويض كل هذه الخسائر بالاصطفاف مع أثيوبيا والحصول على بعض الفوائد من سد النهضة.

سبب آخر يدعو السودان لمساندة أثيوبيا، وهو أن نظام الإنقاذ طوال 26 عاما من الحكم لم يستطع أن يبني أي علاقات مستقرة مع جيرانه، إلا أثيوبيا التي لم تضطرب العلاقة معها كباقي دول الجوار. وبالتالي لا يمكن أن تتخلى عن أهم حلفائك في المنطقة في الوقت الذي تعاني فيه من عزلة سياسية واقتصادية، خصوصا أن أديس أبابا تلعب دورا مهما في الوساطة بين الخرطوم وجوبا، تنشر قوات حفظ سلام تحت مظلة الأمم المتحدة في منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوبه، بجانب وساطتها بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال التي تحارب الجيش السوداني في مناطق متاخمة لدولة الجنوب ولإثيوبيا.

الموقف المصري لا يستند لأي أرضية صلبة، بدليل عدم الوصول لأي صيغة مرضية من كل جولات المفاوضات الجارية لعدة أعوام الآن، بل حتى لم تستطع الدبلوماسية المصرية إيقاف الإنشاءات مؤقتا لحين وصول المفاوضات إما لحل مرضي أو لطريق مسدود. في الوقت ذاته، يتبنى الإعلام المصري لهجة عدائية واستفزازية لكل السودانيين حتى المعارضين لنظام الإنقاذ، وذلك يؤكد فشل الدبلوماسية المصرية التي لم تقدر حتى على ضبط الخطاب الإعلامي في الوقت الذي تتفاوض فيه مع أثيوبيا.

في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، وفي حضرته خلال اجتماع القوى الوطنية المصرية لمناقشة قضية سد النهضة، وصف المعارض الحالي أيمن نور موقف السودان بالمقرف بدلا من استخدام لغة رصينة لتوضيح اعتراضه على موقف السودان.

وبعد الإطاحة بمرسي والعزلة التي فرضت على جماعة الإخوان المسلمين من أغلب أنظمة المنطقة، قام الإعلام المصري بلعب ورقة الإخوان للضد على السودان باعتبار أن النظام السوداني يأتي من خلفية إسلامية.

من الأوراق التي يلعبها الإعلام المصري مؤخرا هو الكارثة التي قد تحل بالسودان في حالة إنهيار السد، وأن ذلك سيصل تأثيره إلى العاصمة الخرطوم. لكن كان من الأجدى أن يستحضر الإعلام المصري موقف نظام إبراهيم عبود الذي دعم قيام السد العالي بلا شرط أو قيد، وتهجير أهالي مدينة حلفا بين عامي 63-1964 وطمس إحدى أقدم الحضارات البشرية في منطقة النوبة. وتناسى الإعلام المصري المآسي التي صاحبت التهجير ونوعز القرآء والإعلام المصري نفسه لكتاب هجرة النوبيين: قصة تهجير أهالي حلفا للمؤلف حسن دفع الله والذي يحتوي على يوميات للمؤلف خلال سنوات التهجير.

سد النهضة سيعود على السودان باستقرار معدل انسياب المياه، مما سيزيد من الزراعة بالري الفيضي على جانبي النيل، والمعروفة محليا بالجروف.

بعض الجغرافيين يسمي أثيوبيا ببرج المياه لكثرة مياه الأمطار فيها، وارتفاع أراضيها، و بالتالي لها الحق الكامل في الاستفادة من تلك المياة بما حقق التنمية والازدهار لشعبها. على الجانب الآخر، من حق مصر أن تحافظ على أمنها المائي باعتبار النيل من أهم الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها مصر.

الخطاب الرسمي المصري يمكن تلخيصه في جملة: أنا وبعدي فليكن الطوفان. يجب على مصر أن تطرح بدائل وخيارات لأثيوبيا بما يضمن مصالح البلدين بعيدا عن التهديد بعمل عسكري في حال قيام السد. أما بالنسبة لنا كسودانيون، ورغم المعارضة للنظام الحالي فإن بإمكاننا تلخيص المكاسب التي ستجنيها من السد في التالي:

– حصول السودان على حوالي 300 ميغاوات من الكهرباء بدلا من 100 ميغاوات يحصل عليها السودان حاليا من أثيوبيا وكل ذلك بسعر منافس لا يتعدى 5 سنت للكيلووات خصوصا بعد تدشين مشروع ربط شبكتي كهرباء إثيوبيا والسودان في ديسمبر 2013. كل ذلك سيساهم في تطور الأقتصاد السوداني بارتفاع متوقع في حجم التجارة بين البلدين لما يتراوح بين 100-150 مليون دولار في العام.

– الاستغلال الأمثل لحصة السودان من مياه النيل الأزرق والبالغة 18.5 مليار متر مكعب والتي يستغل منها حاليا أقل من 10 مليار متر مكعب.

– زيادة المساحات الزراعية المروية من النيل. حاليا من إجمالي 44 مليون فدان زراعي منها فقط 4 ملايين تعتمد على مياه النيل والباقي مطري.

– حجز الطمي واستقرار معدل انسياب المياه مما يزيد من الزراعة بالري الفيضي على جانبي النيل والمعروفة محليا بالجروف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.