شعار قسم مدونات

عن أزمة العلاقات بين الجنسين في مجتمعاتنا

blogs - wedding
كان أول سؤال وجهه إليّ: هل أنت متزوج؟ فأجبته بالنفي، ثم أتبع سؤاله بسؤالٍ آخر: هل لديك خليلة؟ فأتبعت ذلك بالنفي أيضاً، فغر الرجل فاه من الدهشة ثم قال: كيف تعيش لوحدك إذن حتى هذا العمر بدون امرأة؟!

لوهلة تبدو كلمة الرجل منطقية تماماً، كيف يبلغ الإنسان ما بلغه من عمره وهو لم يتصل بالجنس الآخر على الإطلاق؟ كيف يستطيع أن يعيش ويُنجز وينجح ويستمر في عطاءه العملي والفكري وهو لم يغطي هذه الحاجة التي خلقها الله فينا جميعاً؟ كيف ستكون نظرة هذا الإنسان للحياة وكيف سيعيش فيها وحيداً بدون رفيقة درب تؤنسه ويؤنسها وتملأ عليه دنياه؟

لا يمكن أن يتم الزواج حسب مجتمعاتنا إلا لو كان العرس موافق لما جاء في قصص ألف ليلة وليلة!

لم يعلم هذا الرجل الذي وجّه أسئلته إليّ بناءً على ثقافة مجتمعه أي شيءٍ عن مجتمعاتنا التي حوّلت الروابط والعلاقات بين الجنسين من حاجةٍ إلى رفاهية، حتى أنها جعلت الزواج لمن استطاع إليه سبيلاً!

كمية التعقيدات والأفكار الرجعية المتعلقة بالعلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا لا تكاد تُحصى، فالزواج يزداد صعوبةً يوماً بعد يوم، خصوصاً مع النظرة المادية البحتة المتعلقة بالزواج والتعامل مع الفتيات كسلع! كذلك النظرة السائدة التي تجعل من الزواج نقيضاً للعلم والعمل بالنسبة للفتاة، ليجعله ذلك حلاً أخيراً للفتاة التي لم تنجح في حياتها، أي أن الزواج أصبح عندنا للفتيات الفاشلات فقط!

الطلاق كذلك شبه محرّم اجتماعياً، ولقد أصبحت نظرتنا للطلاق أسوأ من نظرة المجتمعات المسيحية قديماً له! هذا بغض النظر عن النظرة المقولبة للمرأة المتزوجة التي يجب أن تشكر ربها ليل نهار لأنها استطاعت أن تحصل على رجل حتى لو كان فيه ما كان من العلل! الأعراس كذلك لوحدها قصة أخرى، فلا يمكن أن يتم الزواج حسب مجتمعاتنا إلا لو كان العرس موافق لما جاء في قصص ألف ليلة وليلة! فكل الفتيات اللواتي سيتزوجن يجب أن يظهرن كشهرزاد لأنها "ليلة في العمر"!

ربما كنا نحن الأمة الأولى في التاريخ التي يقطع فيها الإنسان ثلاثة عقود -وأحياناً أربعة- بدون أن يتصل فيها مع الجنس الآخر، لن أدخل في تفاصيل أسباب هذه المعضلة التي تزداد يوماً بعد يوم لأننا نعرفها جميعاً كما أن الحديث فيها مكرر جداً ولكن ما يهمني الحديث عنه هو: كيف سنغيّر من هذه العادات والموروثات التي استوطنت فينا وأصبحت تؤدي إلى كل هذه الصعوبات والعوائق في العلاقة بين الرجل والمرأة؟

أرى أن أول ما يجب علينا فعله هو العودة للفطرة الإنسانية السويّة، هذا بالطبع لن يتحقق بضغطة زر ولكنه يحتاج ثورة وعي وثقافة لشعوبنا والتي أراها اليوم هامّةٌ لأمتنا أكثر بكثير من الأكل والشرب، الفطرة الإنسانية السويّة لن تقبل بالتأكيد كل هذه التعقيدات ولا الشروط في عملية الزواج، فالزواج بحد ذاته أمر طبيعي وعلاقة لا بد منها لاستمرار الجنس البشري ويجب أن تكون أسهل بكثير مما هي عليه الآن، ما أراه اليوم أن مجتمعاتنا انحرفت كثيراً عن الفطرة البشرية السويّة ولذا نراها تتخبط في هذه القضية كثيراً.

يجب على مجتمعاتنا أن تتصالح مع فكرة الطلاق، فهو لا يعني بالضرورة أن الرجل والمرأة المنفصلين يعيبهما شيء.

الأمر الآخر الذي يجب التركيز عليه هو عدم إحاطة الحديث عن المرأة في مجتمعاتنا بنوع من التحريم والخصوصية وكأن المرأة كائن فضائي! ما زلنا في مجتمعاتنا نتعامل مع المرأة وقضاياها بنوعٍ كبير من الحساسية والوصاية عليها وعلى أفكارها ولعلّ هذا يشكّل سبباً كبيراً من أسباب تعسّر الزواج، ولأن الزواج علاقة بين الرجل والمرأة فمن المفترض أن يكون القرار الأول والأخير في هذه العلاقة للشخصين المعنيين فقط وبدون وصاية.

كذلك يجب على مجتمعاتنا أن تتصالح مع فكرة الطلاق، فهو لا يعني بالضرورة أن الرجل والمرأة المنفصلين يعيبهما شيء، الطلاق ليس منقصة ولا معيبة، ويجب أن يكون قرار اتخاذه طبيعي تماماً كما عملية اتخاذ قرار الزواج بالضبط، وكل ما ورثناه -كمجتمعات مسلمة- من أن الطلاق هو أبغض الحلال كلام لا يصح دينياً، فمن الطبيعي أن يفقد أحد الطرفين رغبته بالعيش مع الطرف الآخر ولذلك وُجد الطلاق والخُلع.

كل المجتمعات المتحضرة قديماً وحديثاً -بما فيها مجتمع المسلمين والعرب الأوائل- كانت العلاقات فيها بين الجنسين سهلة جداً، وكل ما زاد تخلف الأمم وانحدارها زادت التعقيدات والصعوبات في هذه القضية، المجتمعات الغربية الحديثة توصلت إلى حلٍ لتسهيل هذه العلاقات يعتمد على فكرة المعاشرة أو المخادنة وهو حلٌ لا يصلح لنا بالطبع، والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف ومتى سنستطيع إيجاد حلول عملية لهذه المعضلة؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.