مر عامان على الرحيل، وها هو الثالث قد شارف على التمام ولم يزل أثر الفارس بيننا كنورِ بدرٍ مشرفٍ على ظلماتِ بحرٍ عظيم، وارى التراب جسده ولم يوارِ روحه وذكراه.

مر عامان على الرحيل، وها هو الثالث قد شارف على التمام ولم يزل أثر الفارس بيننا كنورِ بدرٍ مشرفٍ على ظلماتِ بحرٍ عظيم، وارى التراب جسده ولم يوارِ روحه وذكراه.
أقمتُ بمكةَ نصفَ عمري، لم ألقَ في غيرها ما ألفيتُ فيها من الألفة وحسن الجوار واللطف. إنها وليدة دعوتينِ اجتمعتا في الأرض والتقتا في السماء، هي أم القرى وسيدةُ المدائن.
كم من طِفلٍ رأى جمالَ الدنيا مِن نافذةِ “سبيستون” هو الآن رميمٌ تحت الأنقاض! وكم نازحٍ ابتلعه البحرُ ولم يزل التلفازُ يردد “سنعود بعد قليل” ولا يعلم أنه لن يعود.
طفلٌ أجلسوهُ على كرسيٍّ بسيارة الإسعاف، تحيطه العدسات، وجهٌ قد شوهتهُ الأنقاض وعينٌ لا تكاد تنفتح إلا على قليلٍ، ربما كان تهامسُ المصورين حينها اعتداءً على قدسية المشهد.