تبدأ صناعة القطيع منذ الصغر، بوأد أسئلة الصغار وتخويفهم من التفكير خارج السرب، فيُحرمون من الاستفسار والمخالفة، ويتعلمون الخوف من البوح، ويتدربون على الانسياق في مستقبلهم وراء أول قطيع يستقطبهم.

كاتبة وفنانة تشكيلية
تبدأ صناعة القطيع منذ الصغر، بوأد أسئلة الصغار وتخويفهم من التفكير خارج السرب، فيُحرمون من الاستفسار والمخالفة، ويتعلمون الخوف من البوح، ويتدربون على الانسياق في مستقبلهم وراء أول قطيع يستقطبهم.
إذا كان من خطر يهدد الأجيال الشابة اليوم، فلا شيء يضاهي غزو التعليم الأجنبي، حيث يدرس الأبناء بلغة أجنبية مناهج أعدت بأيد أجنبية لتحقيق أهداف دول وحضارات أجنبية وتثبيت رؤيتها للكون والحياة والإنسان.
النضال ضد من يخربون الذوق العام يحتاج وعيا وعزيمة لا تفتر لإزالة ما يرسخونه في الوجدان من شوائب تستهدف جهازه المناعي، فلا يعود قادرا أو راغبا في تمييز التشوهات.
العقول لا تشيخ بتقدم العمر كما يعتقد كثيرون، بل بالتوقف عن تغذيتها بما يفيد، فهي إن لم تتسع ضاقت وتسللت إليها الشيخوخة، ولا شيء يفعل ذلك أكثر من غثاء تلك المنصات الذي لا يدع مساحة لغذاء مفيد.
من يبحث عمن يشبهه ويهاجم من يختلف معه ولو لم يفعل له ما يضره يعاني شعورا داخليا بالنقص، ويفتش دوما عما يجعله يشعر أنه أفضل من غيره وأن الآخر ليس أحسن منه.
ترسيخ المظلومية لدى حواء والشعور بالدونية، أو بالغضب الزائد يقودها مباشرة للاندفاع والتصرف بعدوانية ويجعلها تصنع خسائرها بيدها.
نرى الكارثة في انبطاح عدد كبير أمام الآخر الذي يزدريه ويستغله وينهب ثرواته، ويزينون هزيمتهم لأنفسهم بادعاء التسامح أو التماس العذر والحقيقة أنهم يجسدون المثل “اليد التي لا تستطيع قطعها قم بتقبيلها”.
يفترض أن يهتم الإعلام بنشر المعلومات الصحيحة وطرح قضايا المجتمع والتأثير في الرأي العام، والمؤسف أن النسبة الكبرى من صناعة الإعلام العربي تتجه -بوعي أو بدون وعي- لإطفاء نور القلوب والعقول للمتابعين.
تنازل كثيرون من الجنسين وبكل الأعمار عما يميزهم: من آراء وتصرفات وذابوا بما أسموه اندماج مع الغير عبر وسائل التواصل؛ فتشابهوا معهم طلبًا للقبول والانتشار والإعجاب وسيرًا وراء القطيع.
الحب الذكي يحمي صاحبه في كل الأعمار، فلا يوافق بلا تفكير على أفكار وتصرفات من يحب ولا يختصه بكل مشاعره ولا ينقاد خلفه ويلغي عقله ويحرضه على الاستهانة به.